للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالسَّبرُ طريقٌ قويٌّ لبيانِ الإدراجِ في المتنِ، لكنْ لا بُدَّ معهُ مِنْ قرائنَ ودلائلَ تُقوِّي الظَّنَّ بكونِ الزِّيادةِ مُدرجَةً مِنْ كلامِ الرَّاوي، إذْ لا يعني خُلوُّ متنٍ مِنْ زيادةٍ ووجودُهَا في متنٍ آخرَ، كونَهَا مُدرجةً منْ كلامِ الرُّواةِ، بلْ قدْ تكونُ زيادةَ ثقةٍ، أو زيادةً شاذَّةً، أو منكرةً إذَا كانَ راويهَا ضعيفَاً.

وكمَا أنَّ بيانَ الإدراجِ في الحديثِ يتمُّ منْ خلالِ الجمعِ والمقارنةِ بينَ المرويَّاتِ، كذلكَ نفيَ الإدراجِ عَنْ حديثٍ يكونُ أيضَاً مِنْ خلالِ السَّبرِ، بورودِهِ مِنْ طريقٍ أقوى تُبيِّنُ أنَّ الزِّيادةَ زيادةُ ثقةٍ، وليستْ مُدرجةً مِنْ كلامِ الرُّواةِ، مثالُهُ: حديثُ أمِّ قيسٍ بنتِ مِحْصَنٍ أنَّهَا أتتْ بابنٍ لهَا لمْ يبلغْ أنْ يأكلَ الطَّعامَ إلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فبالَ في حجرِهِ فدعَا بماءٍ فنضحَهُ على بولِهِ ولمْ يغسلْهُ غَسْلاً. قالَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ»: «فَائِدَةٌ: ادَّعَى الأَصِيلِيُّ أَنَّ قَولَهُ «وَلَمْ يَغْسِلْهُ» مُدْرَجٌ مِنْ قَولِ ابْنِ شِهَابٍ، وَفِي البَابِ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ، فَيَدْعُو لَهُمْ، فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَاهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، زَادَ مُسْلِمٌ: «وَلَمْ يَغْسِلْهُ»» (١).

أو بورودِهِ منْ طريقٍ أُخرى تُبيِّنُ أنَّ اللَّفظةَ المدرجةَ لهَا أصلٌ ثابتٌ عنْ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فهيَ مُدرجَةٌ بالنِّسبةِ للطِّريقِ الأولى، ومُثبتَةٌ بالنِّسبةِ للطِّريقِ الثَّانيةِ، قالَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ»: «كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-: «إِنَّ بَينَ يَدَي السَّاعَةِ أَيَّامَاً يُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَظْهَرُ فِيهَا الهَرْجُ، وَالهَرْجُ: القَتْلُ». فَصَّلَهُ بَعْضُ الحُفَّاظِ مِنَ الرُّوَاةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ


(١) التلخيص الحبير ١/ ٣٩، وقد فصل الزرقاني في شرحه على الموطأ القول بنفي إدراج هذه الزيادة ١/ ١٨٧.

<<  <   >  >>