للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدْ يروي بعضُ الرُّواةِ الحديثَ بالمعنى على وجهٍ يَظنُّ أنَّهُ أدَّى المطلوبَ منهُ، ولكنْ بمقارنةِ روايتِهِ برواياتِ غيرِهِ يظهرُ قُصُورُهُ في تأديةِ المعنى الصَّحيحِ (١)، ممَّا يترتَّبُ عليهِ اختلافٌ في الأحكامِ والدَّلائلِ، قالَ السَّخاويُّ «ت ٩٠٢ هـ»: «أَلَا تَرَى إِلَى إِسْمَاعِيلَ بنِ عُلَيَّةَ كَيفَ أَنْكَرَ عَلَى شُعْبَةَ - مَعَ جَلَالَتِهِ وَإِتْقَانِهِ - رِوَايَتَهُ بِالمَعْنَى عَنْهُ بِحَدِيثِ النَّهْيِ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ، بِلَفْظِ: «نَهَى عَنِ التَّزَعْفُرِ» الدَّالِّ عَلَى العُمُومِ. حَيثُ لَمْ يَفْطَنْ لِمَا فَطِنَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ الذِي رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ الأَكَابِرِ عَنِ الأَصَاغِرِ مِنْ اخْتِصَاصِ النَّهْيِ بِالرِّجَالِ» (٢).

وهنَا تظهرُ فائدةُ السَّبرِ والمقارنةِ وإيرادِ المتونِ المختلفةِ، وممَّنِ اعتنى بذلكَ الإمامُ مسلمٌ رحمهُ اللهُ، حيثُ ميَّزَ في صحيحِهِ اختلافَ الرُّواةِ حتَّى في حرفٍ مِنَ المتنِ، وربَّمَا كانَ لا يتغيَّرُ بهِ معنىً، وربَّمَا كانَ في بعضِهِ اختلافٌ في المعنى، ولكنَّهُ خفاءٌ لا يتفطَّنُ لهُ إلَّا مَنْ هوَ في العلمِ بمكانٍ (٣). ويكونُ إبرازُ الصَّوابِ منْ غيرِهِ منْ خلالِ القرائنِ والمرجِّحاتِ، مِنْ ذلكَ:

أولاً: الأكثرُ عددَاً: مثالُ ذلكَ حديثُ أبي هريرةَ -رضي الله عنه-، أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا وَعَلَيكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». قالَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ»: «قَولُهُ: «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»، أَي: فَأَكْمِلُوا: هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي رِوَايَة الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عُيَينَةَ بِلَفْظِ «فَاقْضُوا»» (٤).


(١) ولأجل هذا قال القاضي عياضٌ: «ينبغي سد باب الرواية بالمعنى، لئلا يتسلط من لا يحسن، ظنا منه أنه يحسن، كما وقع لكثير من الرواة قديماً وحديثاً». انظر الغاية في شرح الهداية ص ١١٤.
(٢) فتح المغيث ٢/ ٢٤١.
(٣) المصدر ذاته ٢/ ٢٤٤.
(٤) فتح الباري ٢/ ١١٨.

<<  <   >  >>