وَتُوضِّحُ مُشكِلَهُ، وجبَ تمييزُ صحيحِهَا منْ سقيمِهَا، ومنقولِهَا منْ مُتَقَوَّلِهَا، ومقبولِهَا منْ منحولِهَا.
ولأجلِ هذَا فقدِ انبرى أجلَّةٌ مِنَ العلماءِ الرَّاسخينَ، الصَّيارفةِ النَّاقدينَ، ينفونَ عَنِ السُّنَّةِ تحريفَ الغالينَ، وانتحالَ المبطلينَ، وتأويلَ الجاهلينَ، فحرَّرُوا وحقَّقُوا، واجتهدُوا في نخلِ الأصولِ، وحفظِ المنقولِ، فاستنبطُوا ووضعُوا القواعدَ التي تحكمُ روايةَ الحديثِ، وتُحاكمُ رُوَاتَهُ، فنشأَتْ علومُ الحديثِ، أصولُهُ ومصطلحُهُ وعِلَلُهُ، والجرحُ والتَّعديلُ، فكانَ كلُّ علمٍ منْ هذِهِ العلومِ أُسَّاً تُبْنَى عليهِ معرفةُ الحديثِ الشَّريفِ روايةً ودرايةً، وأصلاً يُتوصَّلُ مِنْ خلالِهِ إلى الحكمِ على الحديثِ صحَّةً أو ضعفَاً.
ومنْ أدقِّ قواعدِ علمِ الحديثِ مسلكَاً، وأعمقِهَا غورَاً، وأكثرِهَا تطبيقَاً، وأعظمِهَا أثرَاً: قاعدةُ السَّبرِ عندَ المحدِّثينَ، فهيَ العمودُ الفقريُّ الذي عليهِ مدارُ علمِ الحديثِ في التَّصحيحِ والتَّضعيفِ، والجرحِ والتَّعديلِ، وذلكَ لأنَّ كشفَ العللِ، وإبرازَ الفوائدِ، والحكمَ على ضبطِ الرِّجالِ ومرويَّاتِهِمْ إنَّمَا يرتكزُ على جمعِ طُرُقِ الحديثِ والموازنَةِ بينَهَا، كمَا إنَّهُ السَّبيلُ لاستيضاحِ أوجُهِ الاتِّفاقِ والاختلافِ، واستبيانِ الزَّائدِ والنَّاقصِ في المتنِ والإسنادِ.
وقدْ يُعتمدُ السَّبرُ استقلالَاً في الكشفِ عنِ العلَّةِ أو إبرازِ الفائدةِ - وذلكَ في الأعمِّ الأغلبِ -، وقدْ يكونُ قرينةً مُقوِّيةً للطُّرقِ الأُخرى في معرفةِ أنواعِ علومِ الحديثِ، وقدْ يُغفلُ ويُهملَ في بعضِ الأنواعِ لعدمِ الحاجةِ إليهِ، ولغناءِ الطُّرقِ الأخرى عنهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute