للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقدْ تكونُ دلالةُ السَّبرِ في معرفةِ ذلكَ دلالةً قطعيَّةً، وقدْ تكونُ ظنيَّةً لا بُدَّ لهَا مِنْ عواضدَ تدعمُهَا وتُقوِّيهَا.

كمَا قدْ يكونُ السَّبرُ عاملَاً في إدراكِ ومعرفةِ أنواعِ علومِ الحديثِ، أو عاملَاً في إدراكِ ضِدِّهِا، فيأتي دلالَةً على التَّفرُّدِ بنفيِ المتابعِ والشَّاهدِ، أو يكونُ عاملَاً في نفيِ التَّفرُّدِ بالوقوفِ مِنْ طريقِهِ على المتابِعِ أو الشَّاهدِ، وكذلكَ في معرفةِ الإدراجِ في الحديثِ أو نفيِهِ …

* * *

وهذِهِ الأهميَّةُ البالغةُ لمسألةِ السَّبرِ عندَ المُحدِّثينَ، كانتِ السَّببَ الرئيسَ في اختيارِي لهذَا الموضوعِ والكتابةِ فيهِ، حيثُ لمْ يُفرَدْ بالبحثِ والتَّصنيفِ، ولمْ يُكتبْ فيهِ إلَّا بعضُ المباحثِ القليلةِ التي أُلقيتْ في النَّدواتِ، وبعضُ الفصولِ المتفرِّقةِ المُبعثرةِ في بطونِ الكتبِ والأمَّهاتِ، منهَا ما هوَ نظريٌّ يحتاجُ إلى التَّمثيلِ والتَّطبيقِ، ومنهَا ما هوَ عمليٌّ يحتاجُ إلى الاستقراءِ والتقعيدِ فجمعتُ المتفرِّقَ، واستقرأتُ المُطبَّقَ.

وثمَّةَ سببٌ آخرُ، وهوَ أنَّ الطريقةَ العلميَّةَ العمليَّةَ والتَّطبيقيَّةَ للتَّوصُّلِ إلى النَّتائجِ والقواعدِ والنَّظريَّاتِ، هيَ الطَّريقةُ الأنجعُ والأقومُ في إدراكِ العلومِ التي تعتمدُ النَّاحيةَ التَّطبيقيَّةَ أكثرَ مِنَ النَّظريَّةِ، وعلمُ الحديثِ درايةً علمٌ قِوامُهُ العملُ والتَّطبيقُ، وهيئةُ التَّوصُّلِ إليهِ منْ خلالِ السَّبرِ هيَ الطَّريقةُ العلميَّةُ العمليَّةُ التي انتهجَهَا الأئمَّةُ المحدِّثونَ، لاستخراجِ عللِ الحديثِ وإبرازِ فوائدِهِ، فهيَ السَّبيلُ المختصرُ الذي يَفيدُ الباحثُ منهُ في دراسةِ الأسانيدِ والمتونِ.

<<  <   >  >>