وتصانيفُ الأئمَّةِ في علومِ الحديثِ ومصطلحِهِ وتقعيدُهُمْ لنظريَّاتِهِ إنَّمَا جاءتْ بناءً على صنيعِ المحدِّثينَ في مُصنَّفاتِهِمْ، وعلمُ مصطلحِ الحديثِ مِنَ الأهميَّةِ بحيثُ لا تُجهَلُ قيمَتُهُ، ولا يُغفلُ نفعُهُ، لكنَّهُ نتائجُ نظريةٌ لا بُدَّ لطالبِ العلمِ منْ معرفَتِهَا، إلَّا أنَّهَا لا تُبلورُ طالبَ علمٍ مُحدِّثٍ مُحقِّقٍ، يمتلكُ المكنةَ في التَّصحيحِ والتَّضعيفِ، والملكةَ في دراسةِ الأسانيدِ ومَخْرِ عُبابِ المتونِ، وعلى مثلِ هذَا أيضَاً كُتُبُ طرائقِ التَّخريجِ التي عنيَتْ باستخراجِ الحديثِ وإظهارِهِ منْ بطونِ الكتبِ والأمَّهاتِ، إلَّا أنَّهَا أغفلتِ الطَّريقةَ العلميَّةَ العمليَّةَ في دراسةِ الحديثِ والحكمِ عليهِ صحَّةً أو ضعفَاً، ولذَا ينبغي أنْ تكونَ الطَّريقةُ العمليَّةُ المبنيَّةُ على السَّبرِ وجمعِ الطُّرُقِ السَّبيلَ الذي ينتهجُهُ طالبُ الحديثِ في دراسةِ هذَا العلمِ وتأصيلِهِ.
* * *
وقدَّمَ هذَا الكتابُ تأصيلَاً علميَّاً منهجيَّاً لمسألةِ السَّبرِ على قواعدِ المحدِّثينَ في المتنِ والإسنادِ، وفي الحكمِ على الرِّجالِ وعلى المرويَّاتِ، جهدتُ في أنْ يكونَ شاملاً لكلِّ ما يتعلَّقُ بمسألةِ السَّبرِ عند المحدثين، لا يندُّ عنْهُ إلَّا ما لا أهميَّةَ في إدراجِهِ، وما لا حاجةَ إليهِ.