للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالَ ابنُ حبَّانَ «ت ٣٥٤ هـ»: «الإِنْصَافُ فِي نَقَلَةِ الأَخْبَارِ: اِسْتِعْمَالُ الاِعْتِبَارِ فِيمَا رَوَوا» (١).

وكثيراً ما يردُ على ألسنَةِ أئمَّةِ الجرحِ والتَّعديلِ القَولُ في الرَّاوي: «فلانٌ يُعتبرُ بِهِ»، «فلانٌ يصلحُ للاعتبارِ». وهو حُكْمٌ للرَّاوي بعدمِ طرحِ حديثهِ، حتى ينظرَ فيهِ ويعلمَ موافقتَهُ من مخالفتِهِ للأثباتِ منَ الرُّواةِ.

كما إنَّ بعضَاً منَ الرُّواةِ لَم يردْ فيهمْ جرحٌ أو تعديلٌ، ولا يُعرَفُ فيهمْ ما يرفَعُ جهالَة حالهِم، فترتفِعُ الجهالَةُ عنِ الرَّاوي منهُم بروايَةِ اثنينِ عنهُ، وهذا لا يُدرَكُ إلا بسَبْرِ حديثِهِ، ومعرفَةِ من روى عنْهُ، معَ أنَّ ارتفاعَ الجهالةِ عن الرَّاوي لا تعنِي عدالَتَهُ، وعدالَتُهُ إنَّما تُعرفُ بتنصِيصِ العلماءِ وشهودهِمْ لهُ بذلكَ، ولا تستبينُ بالسَّبرِ كمَا سيأتي بيانُهُ (٢).

وقد أشارَ لهذهِ القاعدةِ ابنُ عديٍّ «ت ٣٦٥ هـ» في ترجمَةِ ابنِ أبي الأشرسِ، فقالَ: «لَهُ غَيرُ مَا ذَكَرْتُ مِنَ الحديثِ، وَقَدْ سَبَرْتُ رِوَايَاتِهِ، فَلَمْ أَرَ بِهَا بَاسَاً، وَأَمَّا رَدَاءَةُ دِينِهِ فَهُمْ أَعْلَمُ بِهِ» (٣).

وقالَ ابنُ الصَّلاحِ «ت ٦٤٣ هـ»: «وَيُعْرَفُ كَونُ الرَّاوِي ضَابِطَاً بِأَنْ تُعْتَبَرَ رِوَايَاتِهِ بِرِوَايَاتِ الثِّقَاتِ المَعْرُوفِينَ بِالضَّبْطِ وَالإِتْقَانِ، فَإِذَا وَجَدْنَا رِوَايَاتِهِ مُوَافِقَةً-وَلَو مِنْ حَيثُ المَعْنَى- لِرِوَايَاتِهِمْ، أَوْ مُوَافِقَةً لَها فِي الأَغْلَبِ، وَالمُخَالَفَةُ نَادِرَةٌ، عَرَفْنَا حِينَئِذٍ


(١) مقدمة صحيح ابن حبان ١/ ١٥٤.
(٢) انظر ص ١٦٨، وما بعدها.
(٣) الكامل لابن عدي ٢/ ٤٢٤/ ٥٢٤.

<<  <   >  >>