للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا جهابذةُ النُّقَّادِ منَ المُحدِّثينَ، فَجَمْعُهُم للأسانيدِ والمتونِ وتتبُّعُهُم للطُّرُقِ لغايةٍ ذاتِ فوائدَ جمَّةٍ وعظيمةٍ - ومدارُ بحثِنَا هذا على بيانِهَا - وذلكَ للاطِّلاعِ على صحيحِ السُّنَّةِ والثَّابِتِ مِنْهَا، وتمييزِ المقبولِ منَ المردُودِ، قالَ الأستاذُ عبدُ الفتَّاحِ أبو غدَّة (١) «ت ١٤١٧ هـ»: «إِنَّ المُحَدِّثِينَ الحُفَّاظَ المُتَوَسِّعِينَ فِي جَمْعِ الحَدِيثِ جَرَتْ عَادَتُهُمْ عَلَى سَمَاعِ مَا يُحدَّثُ بِهِ مِنَ الأَحَادِيثِ وَمَا لَا يُحدَّثُ بِهِ، لِأنَّهُ يَنْفَعُ فِي وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنْ عُلُومِ الحَدِيثِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا وَقَرَّرُوا هَذِهِ القَاعِدَةِ، الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا الحَافِظُ ابْنُ مَعِينٍ بِقَولِهِ: «إِذَا كَتَبْتَ فَقَمِّشْ، وَإِذَا حَدَّثْتَ فَفَتِّشْ» -أَي: عِنْدَ تَحَمُّلِ الحَدِيثِ وَتَلَقِّيهِ عَنْ شُيُوخِ الرِّوَايَةِ - يَجْمَعُونَ مِنْهُ مَا اسْتَطَاعُوا عَنْ كُلِّ شَيخٍ، وَلَكِنْ عِنْدَ تَحْدِيثِهِمْ يُفتِّشُونَ فِيمَا تَحَمَّلُوهُ مِنَ الأَسَانِيدِ وَالمُتُونِ، فَلَا يُحدِّثُونَ إِلَّا بِالأَسَانِيدِ المتَّصِلَةِ بِالعُدُولِ الثِّقَاتِ الضَّابِطِينَ عَنْ مِثْلِهِمْ، وَالمُتُونِ الخَالِيَةِ مِنَ الشُّذُوذِ وَالعِلَّةِ، وَمَا تَبَيَّنَ لَهمْ مِنْ كَذِبٍ أَوْ وَهْمٍ أَوْ بَلَايَا لِلرُّوَاةِ فِي الأَسَانِيدِ، أَوِ الشُّذُوذِ أَوْ عِلَّةٍ فِي المُتُونِ يُمْسِكُونَ عَنِ التَّحْدِيثِ بِهَا، وَلَا يَذْكُرُونَهَا إِلَّا مَعَ البَيَانِ لِمَا فِي تِلْكَ الأَسَانِيدِ أَوِ المُتُونِ مِنْ ضَعْفٍ وَشُذُوذٍ» (٢).

فهذهِ جُملةُ الأسبابِ الَّتي عابَ بها العلماءُ على منْ أفنَى عُمُرَهُ في جمعِ الطُّرقِ والأسانيدِ، إذَا قامَ بهَا مَنْ ليسَ مِنْ أهلهَا، وخَلَتْ مِنْ أيَّةِ فائدةٍ أو غايةٍ، وإلا فالسَّبرُ وجمعُ الطُّرقِ هوَ منْ أهَمِّ وأدَّقِّ ما توَصَّلَ إليهِ المُحَدِّثونَ في كشفِ عللِ الأحاديثِ، وإبرازِ فوائدِهِ.

* * *


(١) عبد الفتاح بن محمد بن بشير بن حسن أبو غدة، «١٣٣٥ هـ- ١٤١٧ هـ»، تخرج من كلية الشريعة في الأزهر، له مصنفات وتحقيقات كثيرة منها: «لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث»، و «أمراء المؤمنين في الحديث»، و «الرسول المعلم وأساليبه في التعليم». انظر كتاب «الشيخ عبد الفتاح أبو غدة كما عرفته» - محمد علي الهاشمي - دار البشائر الإسلامية - ٢٠٠٤ م.
(٢) لمحات من تاريخ السنة للأستاذ عبد الفتاح أبو غدة - ص ١٧٤ - ١٧٦.

<<  <   >  >>