للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَخُلِطَتْ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ، وَصَارَ لَهُ فِيهَا مَلَكَةٌ وَاخْتِصَاصٌ شَدِيدٌ بِمَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالآَثَارِ، وَمَعْرِفَةِ سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهَدْيِهِ فِيمَا يَامُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَيُخْبِرُ عَنْهُ وَيَدْعُو إِلَيهِ وَيُحِبُّهُ وَيَكْرَهُهُ وَيُشَرِّعُهُ لِلْأُمَّةِ، بِحَيثُ كَأَنَّهُ مُخَالِط لَهُ -صلى الله عليه وسلم- بَينَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ» (١).

ولذا وضعَ أئمَّةُ الحديثِ علاماتٍ وضوابطَ يُعرفُ بهَا الحديثُ الموضوعُ، مِنْ غيرِ الرُّجوعِ إلى سندِهِ، منْ ذلكَ: ركاكَةُ اللفظِ في المروِيِّ، ومخالفةُ الحديثِ لنصِّ القرآنِ أو السُّنَّةِ المتواترَةِ، وما اشتملَ على وعدٍ في الثوابِ العظيمِ على الأمرِ الصَّغيرِ، أو وعيدٍ عظيمٍ على الفعلِ اليسيرِ (٢).

وَقَدْ ألَّفَ ابنُ قيِّمِ الجوزيَّة «ت ٧٥١ هـ» كتاباً أسماهُ «نقدُ المنقولِ والمحكُّ المُمَيِّزُ بينَ المردودِ والمقبولِ» (٣) بيَّنَ فيهِ ردَّ العلماءِ لكثيرٍ مِنَ الأحاديثِ بالنَّظرِ إلى متونِهَا.

وبهذَا يتقرَّرُ أنَّ المحدِّثينَ أقاموا منهجَهُمْ النَّقْدِيَّ على السَّنَدِ والمَتْنِ، فَشَمَلَ السَّبْرُ والتَّصحيحُ والتَّضعيفُ والإعلالُ كِليهِمَا، دونَ الاهتمامِ بجانبٍ على حسابِ إغفالِ الجانبِ الآخرِ.

* * *


(١) المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن قيم الجوزية - ص ٤٤.
(٢) انظر مقدمة ابن الصلاح ١/ ٩٨.
(٣) طبع في دار القادري - بيروت - ١٤١١ هـ - تحقيق: حسن السماعي سويدان.

<<  <   >  >>