للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالَ ابنُ المباركِ «ت ١٨١ هـ»: «الإِسْنَادُ عِنْدِي مِنَ الدِّينِ، وَلَولَا الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ» (١). وقالَ أيضَاً: «بَينَنَا وَبَينَ القَومِ القَوَائِمُ- أَي: الإِسْنَادُ» (٢).

وكانَ ابتداءُ التَّثبُّتِ والتَّحرِّي للإسنادِ في عهدِ الصَّحابةِ رضوانُ الله عليهمْ، واشتدَّ الاهتمامُ به بدايةَ عهدِ الفتنةِ، قالَ محمَّدُ بنُ سيرينَ «ت ١١٠ هـ»: «لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ، قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ البِدْعَةِ فَلَا يُؤخَذُ حَدِيثُهُمْ» (٣).

ونشأَ على أيدي صغارِ الصَّحابةِ ممَّنْ تأخَّرت وفاتُهم عنْ عصرِ الفتنةِ، فقدْ رُويَ أنَّ بُشَيراً العدويِّ (٤) جاءَ إلى ابنِ عباسٍ (٥) -رضي الله عنه- فجعلَ يُحَدِّثُ ويقولُ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فجعلَ ابنُ عباسٍ لا يأذَنُ لحديثِهِ - أي: لا يستمعُ - ولا ينظرُ إليهِ، فقالَ: يا بنَ عبَّاسٍ ما لي لا أراكَ تسمَعُ لحديثِي، أحدِّثُكَ عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ولا تسمَعُ، فقالَ ابنُ عباسٍ -رضي الله عنه-: «إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلَاً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَينَا إِلَيهِ بِآَذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ لَمْ نَاخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ» (٦).


(١) المصدر ذاته ١/ ١٥.
(٢) المصدر ذاته.
(٣) صحيح مسلم ١/ ١٥.
(٤) بُشَير بن كعب بن أبي الحميري، العدوي، أبو أيوب البصري، « … هـ- … هـ»، مخضرم، أخرج له البخاري، والأربعة. انظر التهذيب ١/ ٤١٣، والكاشف ١/ ٤٣٠.
(٥) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي، أبو العباس، «٣ قه - ٨٦ هـ»، الصحابي الجليل، حبر الأمة، له في الصحيحين وغيرهما «١٦٦٠» حديث. صفة الصفوة ١/ ٣١٤، والإصابة ت ٤٧٧٢.
(٦) صحيح مسلم ١/ ١٥. وثمة أمثلة كثيرة على تثبت الصحابة واحتياطهم في الرواية فلتنظر في السنة قبل التدوين لفضيلة شيخنا محمد عجاج، الباب الثاني: احتياط الصحابة والتابعين في رواية الحديث - ص ٦٣ - ٨٤.

<<  <   >  >>