للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانوا يقطعونَ المفاوزَ من أجلِ التثبُّتِ في الرِّوايةِ وإسنادِهَا إلى رواتِهَا، لنفيِ الخبثِ والدَّخيلِ عن الحديثِ النبويِّ الشريفِ، قالَ أبو العاليةِ (١) «ت ٩٠ هـ»: «كُنَّا نَسْمَعُ الرِّوَايَةَ بِالبَصْرَةِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَا نَرْضَى حَتَّى نَرْكَبَ إِلَى المَدِينَةِ فَنَسْمَعْهَا مِنْ

أَفْوَاهِهِمْ» (٢).

والاهتمامُ لم يكنْ بمجرَّدِ الإسنادِ، وإنَّما كانَ الاهتمامُ بمعارضةِ المرويَّاتِ والأخبارِ واعتضادِ بعضهِا ببعض.

٢) كثرةُ المشتغلينَ بروايةِ الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ: حملَ الحديثَ النَّبويَّ الشَّريفَ عنِ الصَّحابةِ جمٌّ غفيرٌ من الرُّواةِ، تفرَّقُوا في البلادِ، وحملَ عنْ هؤلاءِ جمعٌ أكبرُ، وهكذا … حتَّى كثُرتِ الأسانيدُ والطُّرقُ للحديثِ الواحدِ، ومع تعدُّدِ الأسانيدِ تعدَّدَتِ المتونُ وكثرتْ بكثرةِ طُرقِهَا، واختلفَتْ تِبعَاً لاختلافِ قرائِحِ الرُّواةِ وحفظهِمْ، وكثُرتِ القوادحُ الكثيرةُ والعللُ الظَّاهرةُ والخفيَّةُ، فكانَ لا بدَّ منْ جمعِ هذهِ المرويَّاتِ وسبرِهَا لبيانِ الصَّحيحِ من الضَّعيفِ، والمنقولِ من الدَّخيلِ.

وشهدتِ الرِّحلةُ نشاطاً زائداً من أجلِ هذا الغرضِ، حتى عُدَّتْ من ضروراتِ التَّحصيلِ لطالبِ الحديثِ، فلا تعلمُ محدِّثًا لهُ شأنُهُ إلا وقدْ رحلَ في البلادِ في طلبِ الحديثِ، وأفادَ العلماءُ من رَحلاتهمْ هذهِ فوائدَ كثيرةً، حيثُ اطَّلعُوا على ما نشرَهُ


(١) رُفَيع بن مِهْران البصري، أبو العالية، « … هـ-٩٠ هـ»، الفقيه، المقرئ، تابعي، لقي أبا بكر -رضي الله عنه- وجمعاً من الصحابة، أخرج له الجماعة. انظر تذكرة الحفاظ ١/ ٦١/ ٥٠، وميزان الاعتدال ٣/ ٨١.
(٢) سنن الدارمي ١/ ١٤٩/ ٥٦٤.

<<  <   >  >>