للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«الفُقَهَاءُ المُعْتَنُونَ بِالرَّايِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَيهِمُ الاِشْتِغَالُ بِهِ، لَا يَكَادُونَ يَحْفَظُونَ الْحَدِيثَ كَمَا يَنْبَغِي، وَلَا يُقِيمُونَ أَسَانِيدَهُ وَلَا مُتُونَهُ، وَيُخْطِئُونَ فِي حِفْظِ الأَسَانِيدِ كَثِيرَاً وَيَرْوُونَ المُتُونَ بِالمَعْنَى، وَيُخَالِفُونَ الحُفَّاظَ فِي أَلْفَاظِهِ» (١). كحمَّادِ بنِ أبي سُليمانَ، شيخِ أبي حنيفةَ النُّعمان، انشَغَلَ بالفقهِ عن الرِّوايَة (٢).

وكذلكِ الانشغالُ بالعبادَةِ عنِ الرِّوايَة: قال ابنُ رجبٍ «ت ٧٩٥ هـ»: «الصَّالحُونَ غَيرُ العُلَمَاءِ يَغْلِبُ عَلَى حَدِيثِهِمُ الوَهْمُ وَالغَلَطُ» (٣). وقالَ الإمامُ مالكٌ (٤) «ت ١٧٩ هـ»: «أَدْرَكْتُ بِهَذَا البَلَدِ - يَعْنِي الْمَدِينَةَ - مَشْيَخَةً لهُمْ فَضْلٌ وَصَلَاحٌ وَعِبَادَةٌ يُحَدِّثُونَ، مَا سَمِعْتُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدِيثَاً قطُّ، فقيلَ لَهُ: وَلِمَ يا أبا عَبْدِ الله؟ قَالَ: لَمْ يكونُوا يعرفُونَ ما يُحدِّثونَ» (٥). مِنْ هؤلاءِ أبَّانُ ابن أبي عيَّاش (٦).

٢. تحديثُ صاحبِ الكتابِ منْ حفظِهِ: الضَّبْطُ عندَ المحدثينَ اثنانِ: ضبطُ صدرٍ، وضبطُ سطرٍ، قالَ ابنُ الصَّلاحِ «ت ٦٤٣ هـ» في شرطِ من يحتجُّ بروايتِهِ: «أَنْ يَكُونَ حَافِظَاً


(١) شرح علل الترمذي ٢/ ٨٣٣ - ٨٣٤.
(٢) قال عنه أبو حاتم: «مستقيم في الفقه، وإذا جاء الآثار شوش». و قال شعبة: «كان حماد لا يحفظ». وعقَّب ابن أبي حاتم على ذلك، فقال: «يعني: إن الغالب عليه الفقه، ولم يرزق حفظ الآثار». انظر الجرح والتعديل ٣/ ١٤٧.
(٣) شرح علل الترمذي ٢/ ٨٣٣.
(٤) مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، الحميري، أبو عبد الله، «٩٣ هـ-١٧٩ هـ»، إمام دار الهجرة أحد الأئمة الأربعة، وإليه تنسب المالكية، صنف «الموطأ»، وله رسالة في «الوعظ»، وكتاب في «المسائل». انظر التهذيب ١٠/ ٥، والأعلام للزركلي ٥/ ٢٥٧.
(٥) انظر العلل لابن حنبل «رواية المروزي» ص ١٨٦.
(٦) قال ابن رجب الحنبلي: «ذكر الترمذي من أهل العبادة المتروكين رجلين: أحدهما أبان بن أبي عياش». انظر شرح علل الترمذي ١/ ٣٩٠.

<<  <   >  >>