للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُستدل لقول الجمهور بحديث «ليس في المالِ حقٌّ سوَى الزَّكاةِ» (١) وبأن الصحابة لم يأخذوا نصف أموال الأعراب الذين منعوا الزكاة.

واستدل أصحاب القول الثاني: بقول النبي : «في كلِّ إبلٍ سائمةٍ في كلِّ أربعينَ ابنةُ لبونٍ لا يفرَّقُ إبلٌ عن حسابِها من أعطاها مؤتَجرًا فلَهُ أجرُها ومن أبى فإنَّا آخذوها وشطرَ إبلِهِ عزمةٌ من عزماتِ ربِّنا لا يحلُّ لآلِ محمَّدٍ منْها شيءٌ» (٢).

والراجحُ قول الجمهور لقوة أدلتهم، وأُجيب عن حديث «فإنَّا آخِذوها وشَطْرَ مالِهِ» بما قاله البيهقي وغيره: بأنّ حديث بهز منسوخ (٣)، وبما أجاب به إبراهيم الحربي (بأن: لفظه وهم فيه الراوي، وإنما هو: «فإنّا آخذوها من شطر ماله» أي نجعل ماله شطرين، فيتخير عليه المصدّق، ويأخذْ الصدقة من خير الشطْرين عقوبةً لمنعه الزكاة، فأمّا ما لا يلْزمه فلا) (٤).

ومن كان مقراً بوجوب الزكاة، ومنعها وهو خارج عن قبضة الإمام، فعلى الإمام أن يقاتله، لأن الصحابة قاتلوا الممتنعين من أدائها، فإن ظفر به أخذها منه من غير زيادة على قول الجمهور كما تقدم.

ومانع الزكاة المنكر لوجوبها، إن كان جاهلاً ومثله يجهل ذلك، لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشأ ببادية بعيدة عن الأمصار، أو نحو ذلك، فإنه يعرَّف وجوبها ولا يُحكم بكفره، لأنه معذور، وإن كان مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام بين


(١) سنن ابن ماجة ١/ ٥٧٠، تلخيص الحبير ٢/ ١٦٠ وضعّف ابن حجر أحد رواته.
(٢) سنن أبي داود ٢/ ٢٣٣، ٢٣٤، اختلف الناس في القول بظاهر هذا الحديث: (لأن أحد رواته يضعف في الحديث وهو بهز بن حكيم) فمذهب أكثر الفقهاء أن الغلول في الصدقة لا يوجب غرامة في المال، وهو مذهب الثوري وأصحاب الرأي وإليه ذهب الشافعي. وكان الأوزاعي يقول: في الغال في الغنيمة إن للإمام أن يحرق رحله، وكذلك قال: أحمد وإسحاق. وفي تلخيص الحبير ٢/ ١٦٢ بهز بن حكيم قال أبو حاتم هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الشافعي: ليس بحجة، وهذا الحديث (لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت لقلنا به) وكان قال به في القديم.
(٣) تلخيص الحبير ٢/ ١٦٠ - ١٦١.
(٤) المصدر السابق.

<<  <   >  >>