للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجاب عنه بنعم ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة، وليس فيما دون أربعين من الغنم زكاة، ولكن المراد به حال الانفراد. فيكون جمعاً بين الأخبار، وفق القواعد الأصولية المعمول بها. وحديث «إِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عن أرْبَعِينَ … » عام في غير الخِلطة، وحديث «لا يُجمعُ بين متفرِّقٍ» خصص عموم الحديث السابق. وإنما جاز ذلك، لأن تأثير الخِلطة تنزيل الملكين بمنزلة ملك واحد في وجوب الزكاة، وقدرها، وأخذها شرعاً، كما نزلا منزلة ملك واحد لخفة المؤونة وغزارة الرفق حسّاً وعرفاً. ولأن الزكاة حق الله تعالى يتعلّق بقدر من المال؛ وهو النصاب سواءً كان هذا النصاب لواحد، أم لجماعة، كالقطع في السرقة، يتعلق بالقليل والكثير؛ إذا كان ربع دينار فصاعدا؛ فكذلك الزكاة تتعلق بالواحد، وبالجماعة إذا كان المملوك لهم نصاباً.

وهذا موافق لمذهب الشافعي الجديد، وإحدى الروايتين عند أحمد، خلافاً لأبي حنيفة ومالك وأرجح الروايتين عند أحمد. وسبب اختلافهم الإجمال في قوله ﷺ: «ليس فيما دون خمسِ أواقٍ من الورِقِ صدقةٌ» فإن هذا القدر يمكن أن يفهم منه أنه إنما يخصه هذا الحكم إذا كان لمالك واحد فقط، ويمكن أن يفهم منه أنه يخصه هذا الحكم كان المالك واحداً، أو أكثر من مالك واحد (١).

قولهم: في ذلك مخالفة لمقصود الشرع. يجاب عنه بل ذلك ملائم للشرع، ووضع الزكاة؛ لأن الشرع لما أوجب في سبعين من البقر تبيعاً ومسنة، اقتضى الحساب أن يجب في كل واحدة سُبْعُ عشرِ مسنة وتبيع، تقسيطاً للواجب على ما وجب فيه، ولكن لم يوجب الشرع في الواحد المنفرد؛ لأن مؤنته تكثر، ورفقه يقل، وذلك يؤذن بمنع احتمال المواساة. فأما إذا اختلطوا، واكتفوا براع واحد، ومبيت، ومسرح، وحوض واحد، قلت المؤونة وكثرت الفائدة) (٢).


(١) بداية المجتهد ٢٥٨.
(٢) الانتصار ٣/ ٢٩٠، لأبي الخطاب الكَلْوَذاني.

<<  <   >  >>