١٢ - اتفقوا على أن النبي ﷺ وأصحابه لم يفعلوا كل "تعبد" يُظَنُّ دخوله في عموم. واختلفوا في هذا التعبد هل هو مشروع أم غير مشروع. وسبب خلافهم إثبات مقدمتين أو الغفلة عنهما. فمن أخذ بهما نفى المشروعية، ومن ذهل عنهما قال: هو بدعة حسنة:
الأولى: أن العموم والإطلاق في صفة القربات متشابه، يتوقف بيان القصد منه على العمل فهو وإن كانت صيغته صيغة الظاهر (العام أو المطلق) لكن كونه قبل البيان دائرا بين الاطلاق اللغوي الأول وإطلاق شرعي جديد مجملٌ لا يُحتج به ابتداء حتى تُبين حقيقته الشرعية وهي الثابتة بالعمل، مثاله قوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة)[التوبة ١٠٤] فلفظ "صدقة" نكرة في سياق الإثبات تفيد الاطلاق، والمطلق في الأصل ظاهر غير مجمل، لكن ما دام في قربة ومعنى شرعي فهو مجمل يحتاج إلى بيان كما يقولون. فمن تمسك بالعمومات المطلقة دون النظر في العمل المبيِّن تمسك بالمتشابه وترك المحكم، لأن التشابه في العمومات والإحكام في العمل، فإذا بُيِّنَت بالعمل زال إجمالها، وامتنع الاحتجاج بها في صورة أخرى (١).
الثانية: أن الترك سنة قائمة، فما تركه النبي ﷺ فهو إما مقصود الترك أو غير مقصود التشريع.
فمن قال بهاتين المقدمتين قال أن ما لم يعمله النبي ﷺ أو أصحابه ليس داخلا في العموم المتنازع في دلالته.
١٣ - اتفقوا على أن العمومات التي يمكن أن يستدل بها على استحسان ما اتفقوا على أنه بدعة ضلالة أدلة متشابهة.
١٤ - اتفق الفريقان على أن ما فعله الصحابي من القربات ليس بدعة ضلالة، وأن الأصل فيه أنه من السنة. ثم اختلفوا هل استحسنه أو فعله اتباعا لسنة يعلمها. فمن قال استحسنه وهو القائل ب"البدعة الحسنة" قال: لو كان عنده حديث خاص به لرواه، فإذ لم يُروَ تعين أن يكون اجتهادا منه واستحسانا. والآخرون قالوا: هذه غفلة
(١) - الموافقات المسألة الثانية عشرة من مقدمات كتاب الأدلة.