للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن تتبع العمل، إذ ثبت عن الصحابة رد المبتدعات "المستحسنة"، وسدوا الذريعة دونها، وهذه المرويات التي تمسك بها المخالف كلها لها أصل في العمل، فليس هو بدعة أبدا. بل عملهم هذا دليل على أن ذلك سنة. وقد كان الصحابة يعملون العمل ويفتون بالفتيا ولا يرفعون ذلك إلى النبي من قوله أو فعله أو تقريره لأحد من الصحابة عمل مثل ذلك. وهم نقلة الوحي والمبلغون عن النبي بأقوالهم وأفعالهم، فعملهم دليل السنة، لذلك أمر الله تعالى ورسوله باتباعهم. فتعين ألا تدخل أعمالهم في مسمى البدعة شرعا. وألا ينسبوا إلى الابتداع لجهل المتأخر بمأخذهم أو قصور اطلاعه على السنن ..

إذا عرفنا موارد الاتفاق تحرر عندنا محل النزاع، وهو غرض الكتاب، وهو ما أضيف إلى الدين ولم يثبت فعله عن أحد من الصحابة مع وجود الداعي للعمل به، ويحتمل دخوله في عموم، هل هو قربة صحيحة أو بدعة قبيحة؟

وإن المتحري لدينه أمام هذا الخلاف ليعض على ما اتفقوا عليه، ويخلع يده مما اختلفوا فيه. فإنه إن لم يفعل كان على غير يقين من صحة العمل، وعليه إذاً أن يبذل الوسع في جمع الأدلة والآثار لمعرفة الحق الذي فرض الله على العباد، ويتحرى صوابا في الجواب يوم المعاد، فإن الأمر دين، ولتُسألُنَّ يوم القيامة عما كنتم تعملون.

لذلك عقد الله العزم على تتبع كلمات الصحابة وأصحابهم في "البدعة" وما يتعلق بها لاستخراج المعنى وحدوده. وحتى نعلم الغالب على تلك التصرفات، هل الاِنكار أو قبول المستحسنات، فنرد النادر إلى الغالب، والبنات إلى الأمهات. فإن الذي يقال فيه "مشكل" هو القليل لا الأغلب. نعم كل يدعي في ما استدل به أنه المحكم وأن ما خالفه متشابه يُؤوَّل، وإنما يَرِدُ التأويل على المتشابه الأقل، ولا اشتباه في القواعد المحكمة .. (١) وأيم الله إن كانت أحاديث رسول الله لكافية لمن قرأها بفقه أصحابه ..

وقد سميت السِّفر ((الصحيح المنتخل من كلام الأولين في بدع العمل)) فهو مرتب


(١) - الموافقات كتاب الأدلة المسألة الرابعة من مباحث الإحكام والتشابه.

<<  <   >  >>