للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالتعبد به على خلاف المقاصد (١). وما هذا شأنه لا يستحسن من العمومات بوجه.

وسواء علينا اعتبرنا فرقا بين الترك والكف أم لا - والكف ما تعمد تركه وهو أخص- فإنه على كل حال لم يقصد فعله. فاستوى من هذه الجهة القصد إلى عدم التشريع، وعدم القصد إلى التشريع، فتدبر.

والمخالف يشنع علينا احتجاجنا بالترك زاعما أنه عدم محض لا يدل على القصد إلى عدم التشريع! وهذه حيدة، لأن محل النزاع زعمهم في المحدث أنه مقصود للشرع التعبد به. ونحن نقول: لو قصده لفعله، فإذ لم يفعله في ثلاث وعشرين سنة، ولا الخلفاء الراشدون في ثلاثين سنة دل على أنه غير مراد من عموم يستدل به، أو معنى أصل يشبه به .. فإن زعموا قصد الشرع إلى ذلك، فستكتب شهادتهم ويسألون.

- ومنها أن ما تركه النبي لعلة لم يمتنع فعله عند عدمها، مثل صلاة الضحى والتراويح، إذ بينوا أن النبي ترك المداومة عليهما تيسيرا. فذلك التعليل مشعر بالإذن وليس لغوا. فحصل لنا نوعان من الترك: نوع مطلق وهو ما تقدم، وهذا لا يصح التعبد به. ونوع تركه النبي وعلل الترك بوصف كقوله: خشيت أن تفرض عليكم اه هذا التعليل يدل على أن المتروك يمكن أخذه عند زوال المانع (٢)، لذلك فعله عمر والصحابة فهم أعلم بالمقاصد. كذلك ما فعلت عائشة في الضحى فهمت أن ترك المواظبة عليها لِما ذكرت.

وهذا هو المستحب الذي جوَّزَ بعض أهل العلم وَسْمَه بالبدعة توسعا، لا على رسم المستأخرين الذين قاسوا عليه ما ليس عليه العمل مطلقا، ولا قياس مع الفارق. فيجوز - على هذا الوجه - أن يقال لشيء تركه النبي ثم فُعِل من بعده "نعمت البدعة" لأن فعل الصحابة له بعده دليل على أن الدوام عليه مقصود للشرع، وأن الترك كان لمانع كما في صلاة التراويح. وليس يمكن في الدليل مطلقا أن نقيس عليه


(١) - الموافقات كتاب الأدلة المسألة السادسة من مباحث السنة.
(٢) - خشية الافتراض علة الترك ومانع من العمل، فهي علة من جهة مانع من جهة أخرى.

<<  <   >  >>