للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- فائدة: يعرف الترك تارة بنقل العدم أي عدم الفعل، فيحكي الصحابي أن ذلك لم يكن. كما حدثونا أن النبي صلى العيد بلا أذان ولا إقامة [خ ٩٦٠/ م ٨٨٥].

ويثبت تارة بعدم النقل (١) لأن الصحابة نقلوا الدين كله وحُمِّلوا الأمانة فكانوا أحق بها وأهلها، فإن لم ينقلوا شيئا بقول أو عمل (٢) علمنا أنه لم يكن، وقد عرفت أنهم متبعون للنبي في طريقة البيان يبينون بالعمل والترك والسكوت كما يبينون بالقول. وهذا إن شاء الله من معاني قول النبي : وإن العلماء ورثة الأنبياء اه [د ٣٦٤٣ وغيره].

واعلم أن ما ذكروا من الترك إنما حدَّثوا به لمناسبة أدركوها ليس شيئا تصدى له أحدهم ابتداء، كأن يُسأل عن الشأن في العيدين فيخبر أنه لم يكن يُؤَذن لها، أو إذا رأى ما ينكر كأن يخبر أن النبي لم يكن يسرد الحديث .. فالترك ترك النبي إنما نقل بالترك منهاجا موروثا، وإنما نبهوا عليه بالقول لأحوال شهدوها، وما لم ينقل بالقول أضعاف أضعافِ ما نقل حكاية، وإنما تركوه اتباعا للسنة. فتتبع عملهم مما يستدل به على هذا الأمر. ومن اشترط الإسناد لإثبات الترك فاته علم كثير، وأخطأ سننا ثابتة.

وكم من عمل رده المخالف لأجل "مخالفته النص"، وإنما النص حكاية الصحابي للترك لا أكثر، مثل ردهم استحباب الأذان للعيدين لما في الصحيحين [خ ٩١٧/ م ٢٠٨٥] عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة اه وكذا احتجاجهم على أن شهيد المعركة لا يغسل ولا يصلى عليه بقول جابر في شهداء أحد: وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم اه [خ ١٢٧٨] وإنما هو ترك. فتنبه كيف احتجوا بالترك عملا وهم له منكرون .. !

وقد قال عبد الله بن الصديق الغماري في رسالته في الترك ينفي الاحتجاج به داعيا لاستحسان البدع!:


(١) - إعلام الموقعين ٢/ ٣٢٨.
(٢) - الموافقات المسألة الثانية والثالثة من مباحث الإجمال.

<<  <   >  >>