للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جفاء بقوم يدعون الله لا يرفعون أيديهم إلا أحيانا، وما علم هؤلاء أن سيد العُباد لم يلتزم ذلك في كل دعائه .. بل كره ما هذا بابه كما في حديث الصلاة قبل المغرب [خ ١١٨٣] " كراهية أن يتخذها الناس سنة" ففرق بين العمل الذي يواظَب عليه وما لم يُرِد المواظبة عليه، فيكون هذا النوع مكروه المواظبة.

ومن شأن المستحب أحيانا ألا يُشَبَّه في العمل بالسنة الراتبة، كما أن المباح من شأنه في العمل ألا يشَبَّه بالمندوب ولا المندوب بالواجب .. (١) وخلط ذلك بعضه ببعض من تغيير أحكام الشريعة. وقد تقدم قول إبراهيم النخعي: وكانوا يستحبون ركعتين قبل العصر، إلا أنهم لم يكونوا يعدونها من السنة اه ففرَّقوا بين المستحب وهو العمل المطلق، وبين السنة التي هي العادة الجارية (٢).

لذلك كان الخلفاء الراشدون والصحابة ربما تركوا المستحب لئلا يظن الناس أنه واجب. ويتركون ما السنة فعله أحيانا للبيان، وحتى لا يعتاد الناس ما ليس السنة اعتياده كالضحى عند من لم يرها من العمل الراتب. والعادة إذا استحكمت عند العبد أو كانت عرفا بين الناس كانت كالفرض الشرعي. ومن جرب الناس ليحملهم على السُنن علم ما في استحكام العادة من صوارف .. وخذ مثلا إمام مسجد يلزم قدرا معينا من التلاوة فإنه يصير كالفرض اللازم، حتى إذا غيَّرَه يوما شق على الناس وقيل غيرت السنة … فما لم يجعله الشرع لك عادة فلا تجعله عادة فإن المصلحة في ترك الاعتياد.


(١) - الموافقات المسألة الثانية عشرة من الطرف الأول من كتاب الأدلة. والمسألة السادسة والسابعة والثامنة من مباحث الإجمال والبيان. قال ابن تيمية: "فالقربات في ثبوتها وسقوطها تنقسم إلى راتبة وعارضة، وسواء في ذلك ثبوت الوجوب أو الاستحباب أو سقوطه. وإنما تغلط الأذهان من حيث تجعل العارض راتبا أو تجعل الراتب لا يتغير بحال. ومن اهتدى للفرق بين المشروعات الراتبة والعارضة انحلت عنه هذه المشكلات كثيرا ". [مجموع الفتاوى ٢٣/ ١٠٤]
(٢) - منه تعلم وجه من فرق بين المستحب والسنة ممن تكلم في الأصول، وأنه السنة، وإن اجتمعا في أصل المحبة. فما واظب عليه النبي والخلفاء فسنة، وما كان أحيانا فمستحب دون ذلك، لذلك كان إطلاق الاستحباب لا يعني المواظبة.

<<  <   >  >>