للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العمل الذي هو في عرف من حولهم أدب إذا جاء النهي أو الأمر بخلافه. كما في قصة سجود معاذ وحديث أنس في القيام وحديث أبي بكر في مرض النبي . وإنما كانوا ربما تركوا ما علموا أنه ليس قضاء واجبا. فما احتج به المخالف هو من هذا الباب قطعا. والواجب رد المتشابه القليل إلى المحكم الغالب.

- الثاني: أن الصحابة لم يكونوا بعد النبي يتركون الأمر والاتباع لدعوى الأدب. وهديهم الثابت أن الابتداع مخالفة للأدب لا سلوك له كما في حديث نافع أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله. قال ابن عمر: وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حال اه كذلك حديث المسيب بن رافع الكاهلي قال: كان عبد الله بن مسعود يعلم رجلا التشهد، فقال عبد الله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فقال الرجل: وحده لا شريك له فقال عبد الله: هو كذلك، ولكن ننتهي إلى ما علمنا اه وقد كانوا يحسنون الأدب حين وقفوا مع الامتثال! وهل في تلك الزيادات المحدثة في التشهد والأذان إلا نسبتهم إلى مخالفة الأدب!؟ إذِ انصرم قرنهم وهم لا يؤَذِّنون ولا يتشهدون إلا كما عُلِّموا؟ حاشاهم من ذلك كله! فالقاعدة المزعومة ليست من هديهم.

- الثالث: أن ما احتجوا به حكايات أفعال، وحكايات الأفعال مَظنة الاحتمال لعدم الاطلاع على قرائن الحال. فعلى أقل تقدير يحتمل أن الصحابي فهم أن الأمر ليس اقتضاء من قرينة الحال التي رأى ولم نرها، وما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال (١).

- الرابع: غاية ما في فعل أبي بكر تعارض أمر بمعنى الإذن مع أصل مقرر وهو


(١) - إذا قلنا: القول مجمل والفعل هو المحكم الذي يبينه، لا يعارض قولنا: أن الفعل مظنة الاحتمال، لأن الفعل نص من جهة، محتمل من جهة أخرى. فمن حيث دلالته على شرعية صورة الفعل هو نص فيها، ومن هنا كان بيانا للمجمل. وما سوى ذلك هو مَظِنَّة الاحتمال. والفعل أو حكاية الحال خاص بفطرته لا عموم له ولا مفهوم، وإنما يعم بقرينة مثل العلة أو ترك الاستفصال. وما دام كذلك فإعماله في ما لا يدل عليه نوع افتراء.

<<  <   >  >>