إمامة الأفضل. ذلك أن إمامة أبي بكر بالنبي ﷺ رخصة وتفضل، فتمسك الصديق بالعزيمة بالأمر الأول في مقابل الإذن. والعزيمة مقدمة ليست تأدبا يجتهده الصديق. والبدع التي يحتجون لها غير مأمور بها أصلا.
كذلك حديث علي، فإنه علم من قرائن الحال أن النبي ﷺ لا يحب محو الكلمة، وأنه ما كان ليفعل لولا عناد المشرك، فأبى أن يعطيه ما أراد. ولم يتركه لأن الأدب عندهم مقدم. ولكن ليغيظ به الكفار، فلم يسرع في هواه، بل حرص على ألا يغيَّر من الشريعة شيء. ومعلوم أن ما أمر به النبي ﷺ هو الحكمة وأولى مما فعل علي ﵁، فإذا ثبت هذا لم يكن الأدب هناك أولى من الامتثال. وأيضا إننا نزعم أن النبي سكت عن علي لأن المقام ليس مقام إنكار، إذ لكل مقام مقال .. وكم من أمور كانت في الحديبية على غير الأصل كما قال أبو بكر:" امصص بَظْرَ اللات " فلم ينكر عليه النبي ﷺ، وكانوا عند رأسه قياما وهو جالس ولم ينكر عليهم، وتردد الصحابة عن امتثال أمره بالحلق والنحر فلم يواجههم بالإنكار. وكل ذلك كان من العفو والترخص لا السنة التي تقصد للتشريع ويتناولها الطلب!
- الخامس: أن ما استحسنوه إنما استندوا فيه إلى القياس على فعل الصحابيين، وقد تقرر أن التعبد لا يثبت بالقياس.
- السادس: أن وجه استدلالهم هو بإقرار النبي ﷺ للصاحبين على ذلك العمل، والاقرار يدل على الجواز لا الاستحباب، أي أن ما فعله الصحابي جائز عفوٌ لا أكثر، يجوز ترك الأمر لا يستحب. والذي استدل له المخالف هو استحبابٌ أصلي لا إباحةٌ، فلا وجه للاستدلال منه. يوضحه:
- السابع: أن الإقرار في الأصل راجع إلى رفع الحرج، لا يدل على أن الفعل مقصود للشرع أي أن ما فعله الصحابي عفو لا حرج فيه لا أنه مراد من الشرع فعله. وما يجري على المقاصد يتصدى الشرع لبيان حكمه ابتداء، أو تنبيها عند الوقوع، كأن يقول إن أبا بكر سن لكم سلوك الأدب فاعملوا به، لكنه لم يقل ذلك. وما هذا شأنه لا ينتزع منه قاعدة مطلوبة العمل. وليس كل إقرار مقصودا للتشريع (١) أو ما كل
(١) - الموافقات المسألة السادسة والثامنة من مباحث السنة.