سكوت إقرارا كما تقدم. والقاعدة المستقراة دليل على أن معناها مقصود للشرع في تصرفاته. فما بَعُدَ جريانه على المقاصد امتنع اعتباره من القواعد.
- الثامن: أن القواعد كما يقولون لا تؤخذ من دليل أو اثنين! ولكن بالاستقراء والعمل، فبناء القاعدة المزعومة من هذه الجهة هش. كيف وهي تعارض الأصل المقطوع به وهو لزوم الامتثال؟
- التاسع: أن الحديثين لا يدلان على العموم في كل حالة، لأن الإقرار بمنزلة الفعل في عدم الدلالة على العموم، فهو مركب من فعلين: فعل الصحابي وترك إنكار النبي ﷺ عليه، والترك فعل. كذلك ما يقال له "سنة تقريرية" حاصلها فعل صحابي ترك النبي ﷺ الإنكار عليه. فليس له عموم بفطرته، ولا بالمعنى إذ قد علمت أنه بخلاف الدعوى.
- العاشر: أن ما فعله الصحابيان ترك لأمر ترك النبي الإنكار عليهما فيه، والقوم أمةٌ منهم لا يحتجون بالترك! فما الذي جعله هنا حجة؟!
- الحادي عشر: أن "سلوك الأدب" اجتهاد، وهم قائلون ألا اجتهاد مع الدليل.
- الثاني عشر: أن النبي ﷺ دل أمته على كل جوامع الكلم التي أوحيت إليه، بينها الله في كتابه أو حُفظت عن رسوله في حديثه، أو جرت على لسان العلماء الوارثين من أصحابه، ولم تكن هذه الكلمة من ذلك في شيء، فإنما هي مما أحدث!
فإذا جاء الأمر أو النهي عزما امتنع سلوكٌ غيرُ الامتثال، لأنه هو الأدب. وهو عمل حبيب إلى قلوبٍ حبب الله إليها الإيمان وزينه فيها، وكره إليها الكفر والفسوق والعصيان .. والله تعالى يقول (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)[الحجرات ١] وهذا عموم بحذف المتعلق فلا تُقَدمنْ قولا ولا اجتهادا ولا أدبا تُراه ..
ولو تأملت كل بدعة أنكرها السلف لوجدت لها تعلقا هنا، إذ يريد صاحبها أن يسلك الأدب مع الله ليزداد تعبدا .. فترك الوقوف عند حدود السنة! لكنهم نهوا عن ذلك لأن الابتداع نفسه سوء أدب .. فهذه إذًا قاعدة محدثة لفظا ومعنى، وإنما القاعدة الجامع الحق قول ربنا ﷻ(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).