- ومنها أن السنة في الذكر والدعاء السر، وهو في القرآن، قال الله تعالى (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول)[الأعراف ٢٠٥] أفاد الإسرار قوله (في نفسك) وأكده قوله (دون الجهر) والتأكيد في معنى النص لرفعه الاحتمال كما قالوا.
وكذا قوله سبحانه (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين)[الأعراف ٥٤] أفاد السر قوله (خفية) وتأكد بقوله (إنه لا يحب المعتدين) أي المعتدين في الدعاء بخلاف الوصف المطلوب ومنه الإسرار بالدعاء.
وقال النبي ﷺ وسمعهم يجهرون بالذكر:"يا أيها الناس! اِربَعوا على أنفسكم. إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم"[م ٢٧٠٤]. لذلك كانوا يكرهون رفع الصوت بالذكر والدعاء كما تقدم.
وقال ابن أبي شيبة [٣٠٨٠٠] حدثنا وكيع قال حدثنا هشام الدستوائي عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ يكرهون رفع الصوت عند الذكر اه يشهد له الاستقراء أنهم كانوا يكرهون ذلك، وهو أثبت من الإسناد. ومن ذاق طعم المناجاة وجد ما في الجهر من التكلف والفساد ..
وما شرع في العمل الأول على خلاف الأصل فعلى قدره وليس هو الغالب، مثلما روي عن عمر أنه جهر في الصلاة بدعاء الافتتاح لتعليم الناس [ابن أبي شيبة ٢٤٠٤ والدارقطني ١٧] وكالتكبير أيام التشريق. فيدل هذا على رد كثير من الحوادث كالدعاء أدبار الصلوات بصوت واحد جهرا. تُرد لوصف الإحداث، ثم لمخالفتها هذا السَنن، فضلا عن مصادمتها للأدلة الخاصة.
ومن احتج بحديث ابن عباس [خ ٨٤٢/ م ٥٨٣]: " كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله ﷺ بالتكبير" فهو محمول عند الشافعي [الأم ١/ ١٥٠] وغيره على التعليم لعدم جريان العمل عليه. ويدل له أن ذلك كان في زمن الوفود لأن ابن عباس متأخر الصحبة. فلم يكن عليه العمل قبل الوفود ولا بعدهم زمان الخلفاء الراشدين لذلك قال:"كنت".