مصطلحات الفن، ومنهج يضبط استعمال المصطلحات والقواعد.
ثم تراهم بعد ذلك يحدثون في الدين مصطلحات وقواعد ومناهج! كأن النبي ما جاء ببيان ولا أعطي جوامع الكلم ولا منهاجا! وكأنما يرون أن ما بينه ليس العلم الذي ينفع للدرس!
وبالجملة فكل ما يحدث بعد النبي ﷺ من "المصطلحات" التي يعبَّر بها عن معاني الشرع (الحقائق الشرعية والعرفية) نوعان:
لفظ لم يكن المقتضي إلى استعماله قائما ككثير من ألقاب علم الحديث .. فإنها مصالح مرسلة، وفي مثلها يقال: ألا مشاحة في الاصطلاح، ومن العلم ضبطها، ومن البيان حسن استعمالها ..
وألفاظ تضاهي الشرعية الثابتة مما خلت فيه سنة، فإن أحسن أحوالها أنها خلاف الأولى، كلفظ "المكلف" و"المجتهد" و"الصانع" ..
فانظر كم من المسافة بين دلالة لفظ " العبد " الذي هو أشرح للنفوس وأدل على المحبة وتمام الانقياد طوعا .. ولفظ " المكلف " الذي يحمل معنى الكلفة والمشقة والجفاف .. !
وكم ما بين لفظ العالم الذي يدل على الثقة والبصيرة في الدين، وخلافة رب العالمين في عباده إذ هو مشتق من اسم الله العليم يذكر به، فيبعث في النفس خوفا واغتباطا .. ولفظ المجتهد الذي يدل على الجهد والمشقة في تفهم ما طلب، فينفث في النفس أن الحق غامض بعيد يحتاج إلى تكلف جهد لإدراكه، والله تعالى قد يسر القرآن للذكر، والنبي ﷺ قد بين وأبلغ، وإنما الاجتهاد في معرفة مراد الله ورسوله على قدر القصور .. وليس القصد إنكار هذا الحرف مطلقا، ولكن أن يكون عَلَما على أهل العلم الفقهاء دون لفظ العلماء، إذ للمواظبة خبر قد عرفتَه .. وأكثر ما استعمل لفظ المجتهد عند الأولين في مجتهد العبادة (١).
(١) - إن قيل: في لفظ العالم أو أهل الذكر ونحوهما تزكية فينبغي صونه والتحفظ من إطلاقه، بل نصفه بالمجتهد لأجل سعيه، ولا نقطع بصوابه! نقول: نعم لا نزكي في العلم إلا من زكاه الله ورسوله بعينه وهم صحابة رسول الله. ثم الناس بعدهم مجتهدون إن أدركوا، ويكون العالم بعدهم من اتبع آثارهم على بصيرة من كتاب الله وحديث رسوله ﷺ. وانظر آثارا عن المتقدمين في جامع بيان العلم لابن عبد البر باب من يستحق أن يسمى فقيها أو عالما حقيقة لا مجازا، ومن يجوز له الفتيا عند العلماء.