للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو عُدّل الكلم لكان الأولى أن يُعَنْوَنَ له بقولنا: هل نؤمر باتباع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؟ ولكان إذاً أحرى وأقطع ..

وهذا كإحداثهم في إنكار بدع المبطلين قولهم: " هذا تحكم بلا دليل "! وهو إنكار بارد بكلام محدث، لو عُدِّل لكان أحرى أن يقال: هذا قول على الله بغير علم، ولكان أشبه لفظا بالسنة، ولحرك ما في النفوس من خامل دين ..

ثم انظر كيف تجد كلمات الله ورسوله أعظم بركة مما أحدث الآخِرون، وما بيان النبي العربي الذي كان يفسر الأمور بالمثال والأقرب (١) كشأن المناطقة الذين هم بحدودهم يفرحون؟!

فقد علم الراسخون أن البيان بالمثال ونحوه الأجرى على طريقة العرب الأميين هو من اللسان الذي به نزل القرآن (٢)، كما قال : إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. [خ ١٨١٤] أمية أي بسيطة غير متكلفة ما لا يطيقه الأميون ..

بخلاف أتباع يونان الذين عسروا بالحدود كل يسير، حتى راحوا يُعَرفون كل معروف (٣)، ثم كان المعرَّف أوضح من التعريف!! فنزعت البركة وبعدت الشقة على


(١) - كما روى مالك [٩٧٤] عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد أنه قال سمعت رجلا يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال فقال ابن عباس: الفرس من النفل والسلب من النفل. قال: ثم عاد الرجل لمسألته! فقال ابن عباس ذلك أيضا. ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي؟! قال القاسم: فلم يزل يسأله حتى كاد أن يحرجه. ثم قال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب اه ففسر له الأنفال بمثالها لا بحدها، ومنه قول النبي : الكبر بطر الحق وغمط الناس [م ٢٧٥] ففسره بأثره لأنه الأيسر والمطلوب لا بحده، لذلك لا يقنع المناطقة ببيان رسول الله وقد كفاهم كلفة التعريف في مثل حديث جبريل .. فلم ينتهوا حتى راحوا يحدون المسميات الشرعية بالحد "الجامع المانع" زعموا!!
(٢) - المقدمة السادسة من الموافقات، والمسألة الرابعة من قصد الإفهام من كتاب المقاصد.
(٣) - كقولهم في الروح: " هي عين لطيف مودع في القالب أجرى الله العادة لخلق الحياة ما دام هو في القالب"! ويا لله العجب أي بيان هذا! لو نشر أفصح العرب فذكر له هذا الكلام لم يفقه منه شيئا حتى يقال له: إنهم يتحدثون عن الروح .. ! أو قولهم في الملَك: "جوهر بسيط ذو صورة ونطق، هو واسطة بين البارئ والأجسام الأرضية"!! أو قولهم في الحج: "هو ما يتوقف فرضه على استطاعة مالية وأمن في السلوك إلى الكعبة وعرفات في أيام معلومة"! [مقاليد العلوم للسيوطي]

<<  <   >  >>