للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناشئة، إذ شدهوا بادي الأمر بمصطلحات محدثة عسيرة، حتى انقطع الطالبون، وانحرف عن منهاج النبوة المتعلمون، فأبعَد الناس عن العلم، وشغلهم عن العمل، وتلذذ المفتونون بالقيل والجدل (١) .. وما دُرسوا جهلا أشبه بالعلم منه (٢) .. !

ثم إن أمة ممن يتحرى السنة وفقهم الله يدرسون فنونا من العلم على طريقة المناطقة، كمباحث الاعتقاد، يعرضونها عرض المتكلمين، وقد كان بنا غنى عما أحدث الآخرون، ألم يحسن النبي بيان صفات ربه وأمور الغيب لأصحابه حتى تركهم على البيضاء، ثم ورث منهاجه الراسخون في العلم من أصحابه فعلّموا الأعاجم والنشء على طريقة الأميين، وإنه ليسعنا ما وسعهم. فمن أراد معرفة صفات ربه وما يحتاجه في إيمانه فمن كتاب الله تبارك اسمه. ولو تأملت طريقة القرآن في ذكر صفات الله تجدها مفرقة عند ذكر الوعد والوعيد والأمر والنهي وهو أوفق شيء لفطرة ابن آدم، منهاج يحمله على القصد ويكفه عن الجور والإلحاد في أسماء الله، كما روى عبد الرزاق [٥٩٩٦] عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الدرداء أن رجلا قال له إن إخوانك من أهل الكوفة يقرؤون عليك السلام. قال: وأنت فأقرئهم السلام، وقل لهم فليعطوا القرآن بخزائمهم فإنه سيحملهم على القصد والسهولة ويجنبهم الجور والحزونة. يعني بخزائمهم يعني اجعلوا القرآن مثل الخزام في أنف أحدكم فاتبعوه واعملوا به اه مرسل صحيح.

كذلك مباحث الفقه وأمور العمل صارت تعرض على منهاج يونان مقدمات


(١) - روى الخطيب [الفقيه والمتفقه ١١٩٨] بسنده عن أبي حاتم السجستاني أن رجلا كان يحب الكلام ويختلف إلى حسين النجار، وكان ثقيلا متشادقا لا يدري ما يقول، فآذى حسينا، ثم فطن له، فكان يعد له الجواب من جنس السؤال، فينقطع ويسكت فقال له يوما: ما تقول أصلحك الله في حد تلاشي التوهيمات في عنفوان القرب من درك المطالب؟ فقال له حسين: هذا من وجود فوت الكيفوفية على غير طريق الحيثوثية وبمثله يقع الثناء في المجانة على غير تلاق ولا افتراق. فقال الرجل: هذا يحتاج إلى فكر واستخراج، فقال حسين: أَفْكِر، فإنا قد استرحنا اه!! لغو أعجمي بحروف عربية .. !!
(٢) - قال الشيخ ابن تيمية في المنطق: " .. والبليد لا ينتفع به، والذكي لا يحتاج إليه، ومضرته على من لم يكن خبيرا بعلوم الأنبياء أكثر من نفعه" الخ [مجموع الفتاوى ٩/ ٢٧٠]

<<  <   >  >>