المتأخرين، وانطوى قلبه على أن أهل العلم أصحابَ النبي لم يُتركوا على قواعد "محررة"! وكيف ينجو مِنْ هذا الظن وهو يُدَرَّس أن العلم لا زال في تطور من مرحلة النشأة زمن النبي وأصحابه إلى مرحلة النضج ثم الاحتراق والتخمة .. !
وإنما الكمال والوضوح والعلم كله كان زمن النبي والخلفاء الراشدين، ثم لم يزل العلم في نقصان والبدع في ازدياد حتى التبست بالسنن، ثم قيل: غيرت السنة!!
والشأن ليس في صنيع العلماء الذين رووا السنن وبينوها، ولكن من نشأ بعدهم من منتحلي "الكلام"، فجعلوا الوسائل مقاصد، واخترعوا للشروح صيغا "قواعد" وواظبوا عليها حتى جعلوها بمنزلة الوحي، وصار كلام الله ورسوله هو يشرح ما أحدثوا من الجوامع! كما فعلوا في فقه أئمة المتأخرين جعلوها أصلا والسنن تبعا! وهم كانوا ينهونهم عن كَتْب مذاهبهم ..
والكلام هنا في القواعد التي استندت إلى أحاديث قولية، أما ما استقري من أفعال النبي ﷺ فالصحيح منها تكفل ببيانه أصحاب النبي ﷺ فبينوا منها ما يشفي لعلمهم بالمقاصد.
والقواعد التي وضعها المتأخرون بالاستقراء مثل قولهم:"التابع تابع" أو "الاستدامة أقوى من الابتداء" أو "يغتفر في النفل ما لا يغتفر في الفرض" ونحوها. فحقيقة مأخذها القياس على أفعال النبي بالنظر في عللها، أي أنهم تتبعوا تصرفاته ﵊ فاجتمع لهم معنى مشترك بين المسائل التي هي نظائر أفتى فيها أو فعلها، فوضعوا لها صيغة للإفهام. فالعمل بها إنما هو عمل بالقياس، وأول من أثارها في الناس أصحاب الرأي والأغاليط.
والنكتة هنا أنه يلزمهم إثبات أن تلك المعاني هي علل الفتاوى النبوية. فكما قالوا: ينبغي الاستدلال للقواعد قبل الاستدلال بها، فمتى وَجدتَ في أدلتها دليلا عاما يذكر للقاعدة من كلام الله أو كلام رسوله فخذ به وتفقه فيه ودع القاعدة فهو القاعدة. ومتى وجدت أدلة فعلية وفتاوى للنبي متفرقة فاسألهم عن عللها، هل تَطَيَّبَ النبيُّ قبل الإحرام لأن الاستدامة أقوى من الابتداء؟ إذن لغطى رأسه قبل الإحرام ولم ينزعه بعد التلبية لأن الاستدامة أقوى من الابتداء، ولِمَ لم يقر غيلان على عشر نسوة