للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تبين أن العفو مسكوت عنه لرفع الحرج، لذلك قال الله تعالى (إن تبد لكم تسؤكم) وقال نبيه "فاقبلوا من الله العافية" بحيث لم يفرض عليكم أمورا كالحج كل عام فيكون إصرا عليكم، ولم يحرم عليكم أمورا كاللهو واللعب اليسير فيكون غلا من جنس الأغلال التي كانت على الذين من قبلكم. فبين أن السكوت ليس إهمالا لذلك قال " فإن الله لم يكن نسيا".

فما استشار رسول الله أصحابه فهو بيان منه أنه موضع اجتهاد، وما أمرهم فبيان أنه موضع امتثال، وما سكت عنه وتركه فبيان أنه مما يزهد ولا يخاض فيه، وما ذكر علته فبيان منه أنه مما يوزن به نظائره .. وكل ذلك منهاج مقصود، تأسى به الراسخون في العلم من أصحابه، والعلماء ورثة الأنبياء.

وكثير من الخلق يظن أن "الأدلة الشرعية " هي القرآن والسنة والاجتهاد (القياس/ الاستحسان/ الاستصلاح .. ) فيخطئ فهم الكمال والبيان، ويرى القرآن دليلا بين أدلة كثير .. وإنما الحق أن العلم كله هو القرآن، والسنة بيان لوجوه العمل به.

فالاستحسان من العالم الوارث هو الرخصة التي تذكر مع العزائم في مباحث الأحكام .. فترخُّص النبي في الأمر أصل يتأسى به في مثله العالم من أصحابه عند الحاجة، فيستحسن أي يترخص اتباعا لمنهاج العمل بالعلم .. إلا أن ترخص النبي سمي رخصة على أصله، وسمي ترخص العالم في ما بعدُ استحسانا، ولو بقي اللفظ الشرعي على أصله لزال اللَّبس، ولعُلم أن ترخه سنة متبعة (١)! لا دليل مستقل.

وقد كان النبي يأخذ بما سمي "المصالح المرسلة" كما قال أنس بن مالك رحمة الله عليه: لما أراد النبي أن يكتب إلى الروم قيل له: إنهم لا يقرؤون كتابا إلا أن يكون مختوما، فاتخذ خاتما من فضة اه [خ ٢٧٨٠] ليبين للعلماء أنه متى ما احتيج إلى مثل ذلك عند النوازل فلهم فيه أسوة حسنة ..


(١) - كما قال علي بن أبي طالب في جلد شارب الخمر: جلد النبي أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين و كلٌ سنة. [م ٤٥٥٤]

<<  <   >  >>