للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أخذ النبي بالقياس الصحيح الذي هو الميزان كما روى مالك [١٢٩٣] عن عبد الله بن يزيد أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال له سعد: أيتهما أفضل؟ قال: البيضاء. فنهاه عن ذلك، وقال سعد: سمعت رسول الله يُسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال رسول الله : أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا: نعم. فنهى عن ذلك اه فنبه إلى مأخذ الحكم ليعلمهم أن هذا المعنى جار في نظائره إذا أتى عليها (١)، نعم هو تعليل لإفهام السائل، ووراء ذلك تنبيه على مأخذ الحكم وسنةِ العمل في أشباهه (٢).

وقد عمل النبي بالعرف كما قال عبد الله بن عباس: كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به، فسدل رسول الله ناصيته، ثم فرق بعد اه [خ ٥٥٧٣/ م ٦٢٠٨] ومثل هذا هو أصل العمل بالعرف عند العلماء الوارثين.

كل هذا كان من الحكمة التي أوتيها ، فلفظ "الحكمة" جامع لوجوه حسن التصرف بالعلم .. فالدين مكتمل، والعلم كتاب الله، والسنة حكمته وبيان لوجوه العمل به. ومن ضيع منهاج البيان أورِث لبسا كثيرا ..

و قال الله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) [النساء ٦٤] الآية، أي في كل ما شجر بينهم لأن لفظ "ما" اسم موصول يفيد العموم، فلا يؤمنون حتى يحكموك ويقبلوا حكمك في كل ما شجر بينهم، أي في كل نزاع واختلاف حصل بينهم، وهذا فيما تحته عمل، وما ليس كذلك فقد نهينا عن الخوض فيه سلفا. وهذا بيان محكم يوجب العلم بأن قصد الشرع رفعُ النزاع والحكمُ بين الخلق .. فكيف يؤفك من زعم أن الخلاف "ظاهرة صحية" مأذون فيها!! بل كل اختلاف هو مطية إلى التنازع والتفرق ..


(١) - إعلام الموقعين ١/ ١٩٠ والموافقات المسألة الرابعة من مباحث السنة.
(٢) - فَتَرَكَ الكلام في ما لم يقع بعد، وعلمهم كيف يؤخذ حكمه إذا وقع، لأن منهجه ألا يتكلم إلا في ما وقع واحتاجت الأمة إليه كما تقدم. والحمد لله.

<<  <   >  >>