جمعهم ليحذرهم منه. وطريقة البيان النبوي سنة فعلية و فِقْهٌ وراء النظر المجرد في الدليل، تنبيك عن مقاصد التشريع ومراتب الأدلة وأحكامها. فليس ما جمع له النبي ﷺ الناس كما أخبر به آحادا، أو نبه عليه بعد سؤال، أو أقر عليه عاملا .. فطريقة البلاغ دليل على أنه أصل محكم، وليس محتمل الدلالة على قصد العموم.
- السابع: البدعة هي ما لم يُعرف في العمل الأول، والمنكر كذلك هو غير المعروف، قال تعالى (فعرفهم وهم له منكرون)[يوسف ٥٨] أي لم يعرفوه، فالبدعة إذاً منكر ليس بمعروف. وقد روى مسلم [٧٨] عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان. فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة! فقال: قد تُرك ما هنالك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه. سمعت رسول الله ﷺ يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه. ومن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان اه والمنكر في الحديث هو بدعة تقديم الخطبة. وما كان في الشرع منكرا لا يكون منه حسن إذ لا نقول: منكر حسن، كذلك لا نقول: بدعة حسنة، بل كل بدعة ضلالة. والمؤمنون (يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)[التوبة ٧٢]
- الثامن: فائدة المغايرة في السياق، ذلك أن النبي ﷺ فرق بين البدعة والسنة في قوله:"فعليكم بسنتي" إلى قوله: "وإياكم ومحدثات الأمور". الحديث، والواو للمغايرة، فيدل على أن جنس البدعة ليس من السنة في شيء إذ جعلهما متقابلتين، فأمر بهذه ونهى عن الأخرى. وهذا مثل قوله في حديث جابر: وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها اه ففرق بين هديه ﷺ وهو عمله وبين البدع، فيدل على أن جنس البدع ومطلق الابتداع ليس من هديه ﷺ. فهذه قرينة أخرى دالة على إرادة العموم المطلق. فتأملها.
- التاسع: ما فرق به جماعة من الأصوليين بين العام المخصوص والعام المراد به الخصوص وهو القصد، إذا قصد المتكلم أول الأمر من لفظ عام أو مطلق بعض معانيه فهو مراد به الخصوص، وما قصد به العموم ثم أخرج منه بعضه فعام مخصوص وهو النسخ عند السلف العلماء. فيلزم مَنْ زعم أنه عام مخصوص أن يسلم بثبوت العموم المحكم أولا في قول النبي ﷺ"كل بدعة ضلالة" ثم يأتي بالناسخ