للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتأخر عنه، ولا دليل. وقد عرفت أول الفصل أن دعوى من ادعى إرادة الخصوص خلاف البيان النبوي العربي، وإلا كان متشابها، وهو من جوامع الكلم. يؤيده:

- العاشر: خلو السياق من المخصص أو الدال على إرادة الخصوص كما تقدم، فهو من أقوى الأدلة على إرادة العموم. ومعهود العرب في خطابها أن ما يسمى عند المتأخرين الظاهرَ نصٌ مع التجرد عن القرائن الصارفة لا تَفهمُ منه غير ظاهره (١)، وأن الاحتمال المقدر عقلا غير وارد عليه والنبي أرسل بلسان العرب.

هذه الشواهد المؤكِدَة كلها تورث "القطع" بأن العموم مستغرقٌ كافةَ أفراده، لأن الظاهر - على اصطلاح الأصوليين - إذا تعددت شواهده صار نصا لا يحتمل، كما أن حديث الواحد إذا تعددت طرقه صار متواترا محكم الثبوت عندهم. والنص لا يقبل التخصيص ولا التأويل. فتعين على طريقة الأصوليين أنفسهم كون الحديث قاعدة كلية لا مخصص لها، وألا بدعة حسنة.

- الحادي عشر: ما علَّمنا ربنا أن نقول عند سؤاله الاستقامة (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) والضالون هم النصارى ومن أشبههم في الوصف بالضلال وهي البدع، وهو بَيِّنٌ يستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل. وهو مطلق في كل ضلالة بلا قيد كما سيأتي في فصل مُصَمَّدٍ لأم القرآن بعون الله.

- الثاني عشر: الآيات الآمرة بالاتباع كقول الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) [آل عمران ٣٠] ونظائرِه، فإن حقيقة الاتباع هو الاقتفاء والسير تبعا لخطا سابقة .. والابتداع بخلافه فإنه ابتداء عمل ليس له فيه أسوة، فهما في اللغة ولسان الشرع ضدان، لذلك قال ابن مسعود: " اتبعوا ولا تبتدعوا " فأمر بالاتباع ونهى عن ضده. فمنطوق الآية يدل على أن المحبة والمغفرة كائنتان في الاتباع، ومفهومها أن الابتداع بخلاف ذلك، وهذا إطلاق آخر من غير قيد، إذ منطوقها مطلق لأنه فعل "فاتبعوني"، ومفهومها مطلق كذلك في النهي عن الابتداع، والمفهوم تبع للمنطوق في العموم والإطلاق. وقد تكرر الأمر بالاتباع


(١) - الموافقات المسألة الثالثة من مباحث العموم وكتاب لواحق الاجتهاد المسألة الرابعة من النظر الثاني.

<<  <   >  >>