للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينفي الرد لانتفاء الإحداث، فأين الإذن في الابتداع؟! بل الحديث مؤكَّد في رد كل محدثة، أفاد ذلك بالمفهوم وبالعلة وهي الإحداث طردا وعكسا. لذلك اعتبره العلماء قاعدة محكمة في رد كل محدث. وفي معناه الحرف الآخر: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد، مفهومه من عمل عملا عليه أمرنا فليس برد. كذلك رواية إسحاق بن إبراهيم: من عمل بغير عملنا فهو رد، مفهومه من عمل بعملنا فليس برد، وهو حديث واحد مخرجه واحد روي بالمعنى، تفسر الرواية أختها. فالحديث مثل سائر الأدلة المحكمة في رد البدع. وقد تقدم ذلك بحمد الله تعالى.

- الثالث والأربعون: "تنقيح المناط" إذ أن العلة التي استخرجوها (المخالفة) منقوضة من وجوه:

* الأول: أن علة المنع (الإحداث) منصوصة ومراعاة في تصرفات الشرع، فلا حاجة إلى استنباط مناط للحكم غيرها. والعلة المنصوصة مقدمة على الأوصاف المستخرجة، ولا اجتهاد مع وجود النص كما يقولون.

* الثاني: أنه لا دليل على صحة التعليل بهذا الوصف (المخالفة)، ولم يثبت أن الشرع استحسن شيئا من البدع. بل أطلق الذم والتزم العموم. وإن قيل: الدليل هو الاستقراء، قلنا: الاستقراء أوجب عكس ذلك كما تقدم في الآثار ..

* الثالث: من زعم أن المخالفة هي العلة أراد أن النبي قصد النهي عما يخالف سنته فعبر بعبارة تدل على ذلك، وكان الابتداع مظنة المخالفة فعبر به عن المنع، هذا معنى تصرفهم. وهذه وهلة! لأنه لا يعدل المتكلم عن التعليل بالحكمة المقصودة أصالة إلى التعليل بالمظنة إلا لتعذر ضبط الحكم بحكمته تعذرا بعيدا، لأن عادة الشرع في ما يقرب ضبطه أن يعلل به ويصار لضبطه إلى القرائن، كالتعليل بالعمد والخطأ في القتل وهو وصف خفي - تخلف فيه شرط الظهور - يصار لضبطه إلى القرائن الظاهرة، فهذا يدل على أن التعليل بالمخالفة هنا أبعد من ذلك. ومعلوم أن الابتداع والإحداث هو المنضبط عكس المخالفة. فلما عدل النبي عن التعليل بالمخالفة دل على أحد أمور: إما أنها لا تصلح علة. أو أن التعليق بالابتداع كان لقطع أسبابها حتى لا تقع المخالفة، فيدل هذا على أن التعليل بالإحداث مقصود. وما سُد

<<  <   >  >>