الباب دونه لم يحل لأحد أن يفتحه .. فيتقدم بين يدي الله ورسوله. أو أن المخالفة لازمة للابتداع ومطردة في كل بدعة وإن لم يتبينها كل أحد. وكان الابتداع أظهر منها فجعله النبي ﷺ علة المنع. أو أن الابتداع نفسه مخالفة، أي أنهما في الشرع واحد. أو أن للمنع حِكما أخرى غير المخالفة يجمعها وصف الابتداع.
فالحق العدول عن التعليل بما عدل عنه النبي ﷺ وهو من اتباع سنة التَّرك. فهذا دليل آخر على أن التعليل بالإحداث هو الحق، وألا بدعة حسنة.
- الرابع والأربعون: رد استدلالهم بقول الله تعالى (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون)[الحديد ٢٤] ظنوا أن الله أثنى عليهم لابتداعهم الرهبانية!! كيف والسورة كلها جاءت بذم الانقطاع والأمر بالجهاد، وأن الحديد أنزل لذلك والأمر بالكسب لتحقيق عبودية الانفاق في سبيل الله؟! وفي آخرها ينبهنا الله ألا نكون مثل أولئك الذين ابتدعوا رهبانية التزموها، فضيعوا بها حقوقا ثم ما رعوها حق رعايتها. فإن قيل أثنى عليهم بقوله (فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم) نقول: نعم أثنى عليهم بالإيمان لا بالبدعة، أي الذين آمنوا بعيسى ﵇ وتركوا شرك النصارى وإن وقعوا في بدعة العمل. ثم هم مطالبون بترك بدعتهم لماَّ جاءت سنة خاتم الرسل ﷺ. فأي ذم بعد هذا؟
ثم يتمسكون بروايات أعرضتُ عن ذكرها للضعف! وأصح من ذلك ما أخرج أبو داود [٤٩٠٤] وأبو يعلى وهذا لفظه [٣٦٩٤] عن عبد الله بن وهب حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة زمن عمر بن عبد العزيز وهو أمير، فصلى صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر أو قريب منها، فلما سلم قال: يرحمك الله أرأيت هذه الصلاة المكتوبة؟ أم شيء تنفلته؟! قال: إنها المكتوبة، وإنها صلاة رسول الله ﷺ ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه. إن رسول الله ﷺ كان يقول: لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات (رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) الحديث. فلم يمدحهم للبدعة. وقال أبو نعيم