الترك مكروه فعله، فهو إذاً غير مستحب، بل المستحب تركه، إذ كيف يستحب تركه ويستحب فعله؟! هذا خُلْفٌ. فلا بدعة حسنة، ولا تعبد بمتروك في السنة. وسواء علينا قيدنا الترك بالقصد أم لا، أي قلنا: أن المعتبر ما قُصد تركه وهو الكف أم لا فإنه في الوجهين لم يُقصد فعله، إذ لو قُصد مع وجود الداعي وانتفاء المانع لَفُعل كما تقدم.
- التاسع والأربعون: أن القربات المختلف في ردها إما مستحبة - على قول المستحسنين - أو منع على قول المانعين. والترك يدل على استحباب تركها، فيسقط القول باستحباب فعلها، ويبقى القول بالمنع.
- الخمسون: أن الترك من جنس النهي لأنه ثمرته والمقصود من الخطاب به، كما أن الفعل من الأمر لأنه ثمرته والمقصود منه، ومعلوم أن النبي ﷺ كان أكثر بيانه بالعمل، ولأجله بعث، فكما أن عمله بيان للأمر، كذلك الترك بيان للنهي وعمل بمقتضاه. ومتى رأيت تركا مطردا عندهم فاعلم أنه امتثال لنهي، فثبت بهذا أن ما تركه النبي ﷺ وأصحابه منهي عنه لا مأمور به، فلا بدعة حسنة.
- الحادي والخمسون: لو سلمنا أن القياس يجري في القربات كما توهم بعض المتأخرين منهم فليس قياس الإثبات أولى من قياس النفي، فإنا نعمد إلى ما نهى عنه النبي ﷺ خاصة فنقيس عليه ما سواه فيمنع، والجامع هو الابتداع والترك .. فأي القياسين أحق بالاعتبار إذًا؟! تأمل مثلا قول النبي ﷺ[أحمد ٦٦٨٤/ س ١٤٠] للأعرابي الذي سأله عن الوضوء فأراه ثلاثاً ثلاثا ثم قال: هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم اه فجعل الزيادة في التطهر على الحد الذي وقف عنده النبي ﷺ اعتداء وظلما. وأن ما فعله هو الوضوء الذي خوطب به في الآية وإن كان لفظها مطلقا. وهكذا السنة كلها، ما وقف عنده النبي ﷺ فهو حد لا يجوز الزيادة عليه، فمن زاد شيئا فقد أساء وتعدى وظلم .. ولولا هذا الحديث لاستحسن أقوام تلك الزيادة بدعوى حب التطهر وأنه زيادة خير وأسبغ للوضوء .. ولربما استظهروا على ذلك بمثل قول الله تعالى (والله يحب المطهرين)[التوبة ١٠٩] وأن آية الوضوء مطلقة ليس فيها ذكر العدد. ولكن الصواب الاستدلال بقول الله تعالى:(ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)[البقرة ٢٢٧] فمن تعدى حدود السنة جملة فهو ظالم متعدٍّ حدودَ