للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله الذي تفرد بالتشريع، متجاوز حده ومقداره وهو الامتثال اللائق بالعبد.

والحق أن القياس لا يثبت به تعبد، وإنما هو في النوازل لا ما كان زمن التشريع. وإنما ضل من ضل من المشركين بسبب القياس، كما قال ابن سيرين: " أول من قاس إبليس، وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس "، فمن استغاث بالأولياء قاس الميت على الحي الحاضر. ومن طاف بالقبر والوثن قاس بيت "الولي" على الكعبة بيت الرب. ومن قبَّل الأوثان رموز الأولياء تبركا قاسه على تقبيل الحجر الأسود. واستَقبَل القبرَ بالصلاة من أشربه بالقياس على اتخاذ السترة فيها. وحجوا إلى المشاهد قياسا على حج البيت وشد الرحال إلى المساجد الثلاث .. لذلك نهى علماء الملة الأولون عما يضاهي الطريقة الشرعية، إذ المضاهاة ضرب من القياس كما رأيت في باب ما ذموه من العمل المطلق إذا كان يضاهي السنة الراتبة.

- الثاني والخمسون: ثبت أن البدعة أشد من المعصية لأن فسادها في الدين أعظم، لذلك كانت أحب إلى إبليس منها. فكما لا تقسم المعصية إلى حسن وقبيح، كذلك لا تقسم البدعة إلى حسن وقبيح بالأولى. وحاصل البدعة أنها معصية شدد الشرع في تحريمها، فبابهما من هذه الجهة واحد.

- الثالث والخمسون: الاحتجاج بالإجماع، فإنا استقرينا تصرفات الصحابة، فوجدناهم اجتمعوا على ترك كل المحدثات التي استحسنها المخالفون، وانصرم قرنهم على تركها، والإجماع حجة على ترك كل ذلك، دعك من الإجماع الصريح فإنه بالمحال أشبه، ولكن ألا يعلم مخالف إلى الفعل كما كان مالك يسميه إجماعا في مثل كلامه في سجدة الشكر وقد تقدم. وقد عرفت أن أدلة الإجماع وفائدته هي أدلة البدعة وفائدتها .. وإذا ثبتت أدلة التمسك بالإجماع فإن الخطاب ينصرف إلى المعهود في مجاري العادات لا إلى الإمكان العقلي، والجاري في العادة من حصول الإجماع هو السكوتي لا الصريح، فإنه وإن أمكن في الجواز العقلي لا يقع صريحا عادة، وما مثلوا به للإجماع الصريح من المعلوم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة لم يثبتوه عن كل عالم من السلف بالأسانيد الصحيحة قولا، ولكن قالوا: لا يمكن أن يختلفوا فيه، فعاد الأمر إلى عدم الاحتجاج بالصريح وعدم وقوعه على

<<  <   >  >>