العلل كما في العادات، عُلم أن قصده الامتثال، وأن الاجتهاد باختراع شيء والقياسَ غير جار على القصد. فالابتداع القائم على الاجتهاد دون الاتباع المحض غير مقصود.
- الستون: أن النبي ﷺ لما أكثر التحذير من البدع دل على أنها واقعة في الأمة بكثرة، إذ علم أنه لم يكن ليشغل الناس بما ليس تحته عمل، لذلك ترك الاستخلاف لعلمه أن الأمة تجتمع بعده على أبي بكر وقال: ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر اه [م ٦٣٣٢] فيدل ذلك على أنه لِما علم أن من الأمة من سيحدث في الدين ويتوسع بدعوى "البدعة الحسنة" أكد العموم نصحا للأمة ﷺ. وهذا الوجه غير الوجه السابع والثلاثين، فتأمله.
- الحادي والستون: ما ثبت في الحكمة سنةِ النبي ﷺ من صون الألفاظ الشرعية وحفظ معانيها وأثرها، فمن زعم التخصيص وادعى الاستحسان خالف قصد الشرع إلى بقاء اللفظ عَلَما على المذموم، فأضعف دلالته على العموم وَوَقْعَهُ في النفوس، فزال من قلوب الناس الانزعاج من لفظ بدعة!! خلافا للقصد والمنهاج. أفيليق بمؤمن أن يقوم بخلاف مقام النبي ﷺ الذي لم يزل قائما يُحَذر من البدع بإطلاق ثم ينادي في الخلق بدعوى الاستحسان والحض عليها والتأصيل لها؟! أفليس هذا من مشاقة النبي ﷺ؟
- الثاني الستون: أن هذه الدعوى وهي أن قول نبي الله "كل بدعة ضلالة" عموم مخصوص انبنت على بدعة أصولية وهي إمكان التخصيص بالمنفصل، وهي بدعة يونانية منافية لبيان العرب ذلك أن العموم الذي يزعمون أن الدليل المنفصل خصصه إما أن ما خُص منه كان داخلا في العموم أو لم يكن داخلا، فإن كان داخلا فيه ثم خص فهو النسخ كما سماه السلف العالِمون، فيلزم حينها معرفة المتقدم من المتأخر لمعرفة المحكم منهما. وإن لم يكن مرادا من العموم الصورةُ التي خُصت فالدليل المنفصل إنشاءٌ لحكم جديد، وفيه زيادة بيان أن ذلك الجزء لم يكن داخلا في العام، وهذا من العام المراد به الخصوص.