للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتقدير وقوع التخصيص بالمنفصل في الشريعة هو من عجمة الروم أصحاب الألغاز، أما العرب فلا تتكلم في جادة لسانها إلا بالبيان والفصاحة، فإذا نطق العربي بكلمة عامة يريد معنى خاصا لا بد أن يبين في المقام نفسه مراده إما باللفظ أو بالحال وإلا كان تلبيسا وعجمة تأباها العرب (١).

لذلك تراهم يضطربون في الفرق بين العام المخصوص والمراد به الخصوص، ويخرجون لإثبات الفروق عن موطن النزاع .. ثم لم يأتوا بشفاء! وكذلك البدع المحدثات ..

والحق ألا وجود للعام المخصوص، ولا تخصيصَ بالمنفصل، إنما هو النسخ، لذلك كان الصحابة يتَّبَّعون من حديث رسول الله الأحدث فالأحدث ويرونه الناسخ المحكم كما حكى الزهري ولا يخصصونه به بعد تناول. ولكن المتأخرين لأجل ما أصلوا من القواعد المحدثة في الأصول غلَّطوا الصحابة فقالوا: لا سبيل إلى القول بالنسخ ما أمكن الجمع، وإنما هي العجمة.

وما ذكروه مثلا إنما هو بيانٌ كقول ابن عمر: أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال اه [أحمد ٥٧٢٣] فهذا ليس


(١) - راجع المسألة الثالثة من مباحث العموم بفصولها من الموافقات. وقد قال الشافعي رحمة الله عليه في الرسالة [الفقرة ١٧٣]: فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها، وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر، ويستغني بأول هذا منه عن آخره، وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه، وعاما ظاهرا يراد به الخاص وظاهر يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره. فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره. وتبتدئ الشيء من كلامها يبين أول لفظها فيه عن آخره وتبتدئ الشيء يبين آخر لفظها منه عن أوله. وتَكَلَّمُ بالشيء تعرفه بالمعنى دون الايضاح باللفظ كما تعرف الإشارة ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها اه ذكر الشاطبي هذا الكلام ثم قال: والذي نبه على هذا المأخذ في المسألة هو الشافعي الإمام في رسالته الموضوعة في أصول الفقه، وكثير ممن أتى بعده لم يأخذها هذا المأخذ، فيجب التنبه لذلك، وبالله التوفيق اه ذكره في المسألة الأولى من قصد الإفهام في سياق أن القرآن عربي بالاستعمال لا بالنظر في اللفظ خاصة. ولم ير الشاطبي التخصيص بالمنفصل، ولم يكن من مذهب محمد بن إدريس الشافعي، بل هذا نص كلامه في الرسالة. وزعم بعض الأصوليين الإجماع على وقوعه!

<<  <   >  >>