للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل ما مثلوا به للتخصيص هو من هذا الضرب، فتتبعه تجده يشبه ما قال الشافعي .

وما يقولون فيه تخصيص بالمتصل كالاستثناء فإنما هو بيان، لأن الاستثناء طرف من السياق، إذ لا يستقيم في اللسان أن يبدأ الكلام بالاستثناء، كما لا يستقيم أن ينتهي الكلام وهو محتاج إلى استثناء، لأن مجموع ذلك هو الكلام. والعرب تسمي الجملة التامة كلمة، لأن المجموع هو الدال على المعنى لا بعضه، قال الله تعالى (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها) [المؤمنون ١٠٠] وقال النبي : كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم اه [خ ٧٥٦٣]. ومن سنة العرب في لسانها أنها تَكَلَّمُ بالكلام يدل أوله على آخره كما في قول الله تعالى (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) [إبراهيم ٣١] أي لكان هذا القرآن، فكان أوله دالا على آخره، ومثله قوله سبحانه (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب) الآية [يوسف ١٥] أي وفعلوا ذلك. وتَكَلَّمُ بالكلام يدل آخره على أوله كما في قول الله تعالى (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا) [الجن ١] أي استمع نفر من الجن إلى القرآن دل عليه آخره، وقوله سبحانه (فأشارت إليه) [مريم ٢٩] أي أشارت إليه أن كلموه دل عليه آخره (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا).

إذا تبين هذا عرفنا ألا وجود للتخصيص بالمتصل ولا بالمنفصل، إنما ثَمَّ البيان والنسخ (١) كما نطق العلماء الأولون العالمِون بحدود ما أنزل الله على رسوله. فما من عموم إلا وهو من جوامع الكلم والقواعد المحكمة، والكليات المطردة. فمن اعتقد بدعة التخصيص ضعف فهمه للبيان، واتهم النبي وصحبه بالتقصير.

ومن زعم التخصيص الذي هو نسخ وإخراج بعد دخول في العموم، كان شيئا


(١) - البيان أن يبين الله تعالى في سياق الآية مراده أو رسولُه عند بلاغه إياها، والنسخ إزالة لما كان داخلا في العموم.

<<  <   >  >>