للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المقدمة]

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، هذا أحلى ما تنطق به الأسن، وتُدونه الأقلام، وتُشنّف به الأسماع، فالحمد الله على نعمه المتواترة، والشكر الدائم له - عز وجل - على آلائه وفضائلة، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد المخصوص بالكرامة، وعلى آله، ومن صحبه في السفر والإقامة، والتابعين له بإحسان، ومن تبعهم إلى يوم القيامة، صلوات ربي عليهم أجمعين عدد ما حنّ غريب إلى وطنه، وغرّد عندليب على فننه، وأُدرج راحل في كفنه.

وبعد: فإن خير ما به يُشْغِل المرء نفسه عمل صالح، بدءًا من المحافظة على ما فرض الله عليه، وانتهاءًا بالأعمال الصالحة، ومن أجلِّها الانقطاع إلى البحث والنظر، وقد صدق أبو هريرة - رضي الله عنه - حين قال: "باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعا، وباب نعلمه عملنا به أو لم نعمل به أحب إلينا من مائة ركعة تطوعا" وقال هو وأبو ذر رضي الله عنهما: سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا جاء طالبَ العلم الموتُ وهو على هذه الحال مات وهو شهيد» (١)، وأجاد المتنبي رحمه الله حين قال:

أعز مكان في الدنيا سرج سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب

وقد أصاب عين الحقيقة، فلا صديق أخلص من الكتاب، يُكْتَسَبُ منه خير كثير في كل الأبواب، أما البشر فالكثيرون منهم لا تجود صداقتهم إلا في اللهو والعبث، وكم شكا الأئمة الفضلاء من عدم وفاء الكثيرين من أصدقاء مقتبل العمر، وكم ندموا وتحسروا على ضياع أثمن الأوقات معهم؛ زهرة الشباب خرجوا منها بعد فوات الأوان نادمين، التزام منهج أهل الفضل والصلاح في نقد الأصدقاء وتمحيص من زعم أنه الوفي منهم، وكم نظم الأدباء والعلماء في ذلك، وصدق أبو العتاهية رحمه الله حين كتب إلى بعض إخوانه يحدد له الصديق الحق قال:


(١) تاريخ دمشق ٦٧/ ٣٦٧.

<<  <   >  >>