للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أضفت إليها قول أبي الحسين مسعود بن الحسن الدمشقي الحافظ وكان قدم مرو فمات بها في سنة (٥٤٣):

أخلّاي إن أصبحتم في دياركم ... فإني بمرو الشاهجان غريب

أموت اشتياقا ثم أحيا تذكّرا ... وبين التراقي والضلوع لهيب

فما عجب موت الغريب صبابة ... ولكن بقاه في الحياة عجيب

إلى أن خرجت عنها مفارقا وإلى تلك المواطن ملتفتا وامقا.

والمنسوب: عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله أبو بكر القفّال المروزي. وحيد زمانه فقها وعلما، رحل إلى الناس، وصنف وظهرت بركته، وهو أحد أركان مذهب الشافعي، وتخرّج به جماعة، وانتشر علمه في الآفاق، وكان ابتداء اشتغاله بالفقه على كبر السن، حدثني بعض فقهاء مرو بفنين من قراها، أن القفّال الشاشي صنع قفلا ومفتاحا وزنه دانق واحد، فأعجب الناس به جدّا وسار ذكره، وبلغ خبره إلى القفّال هذا فصنع قفلا مع مفتاحه وزنه طسّوج (١)،

وأراه الناس فاستحسنوه ولم يشع له ذكر، فقال يوما لبعض من يأنس إليه: ألا ترى كلّ شيء يفتقر إلى الحظ؟ عمل الشاشي قفلا وزنه دانق وطنّت به البلاد، وعملت أنا قفلا بمقدار ربعه ما ذكرني أحد! فقال له: إنما الذكر بالعلم لا بالأقفال، فرغب في العلم واشتغل به، وقد بلغ من عمره أربعين سنة، وجاء إلى شيخ من أهل مرو وعرّفه رغبته فيما رغب فيه فلقّنه أول كتاب المزني، وهو: هذا كتاب اختصرته، فَرَقا إلى سطحه وكرّر عليه هذه الثلاثة ألفاظ من العشاء إلى أن طلع الفجر، فحملته عينه فنام ثم انتبه وقد نسيها، فضاق صدره وقال: أيش أقول للشيخ؟ ، وخرج من بيته فقالت له امرأة من جيرانه: يا أبا بكر لقد أسهرتنا البارحة في قولك هذا كتاب اختصرته، فتلقنها منها، وعاد إلى شيخه وأخبره بما كان منه، فقال له: لا يصدّنّك هذا عن الاشتغال، فإنك إذا لازمت الحفظ والاشتغال صار لك عادة، فجَدّ ولازم الاشتغال حتى كان منه ما كان، فعاش ثمانين سنة أربعين جاهلا، وأربعين عالما، وقال أبو المظفّر السمعاني: عاش تسعين سنة ومات سنة (٤١٧).


(١) تقدم بيانها عند النسبة (١٢) وهو هنا وحدة وزن تساوي جزء من (٢٤) جزءا من الدينار ..

<<  <   >  >>