للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجامع وقبتها زرقاء تظهر من مسيرة يوم (١)، بناها بعض خدمه بعد موته، ووقف عليها وقفا لمن يقرأ القرآن ويكسو الموضع.

قال ياقوت رحمه الله: وتركتها أنا في سنة (٦١٦) على أحسن ما يكون. وبمرو جامعان للحنفية والشافعية يجمعهما السور، وأقمت بها ثلاثة أعوام ولولا ما عرا من ورود التتر إلى تلك البلاد وخرابها لما فارقتها إلى الممات، لما في أهلها من الرّفد، ولين الجانب، وحسن العشرة، وكثرة كتب الأصول المتقنة بها، فإني فارقتها وفيها عشر خزائن للوقف، لم أر في الدنيا مثلها كثرة وجودة، منها خزانتان في الجامع إحداهما يقال لها: العزيزية، وقفها رجل يقال له عزيز الدين أبو بكر عتيق الزنجاني، أو عتيق بن أبي بكر، وكان فقّاعيّا (٢) للسلطان سنجر، وكان في أول أمره يبيع الفاكهة والريحان بسوق مرو، ثم صار شرابيّا له، وكان ذا مكانة منه، وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها، والأخرى يقال لها: الكمالية لا أدري إلى من تنسب، وبها خزانة شرف الملك المستوفي، أبي سعد محمد بن منصور في مدرسته، ومات المستوفي هذا في سنة (٤٩٤) وكان حنفيّ المذهب، وخزانة نظام الملك الحسن بن إسحاق في مدرسته، وخزانتان للسمعانيين، وخزانة أخرى في المدرسة العميدية، وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها، والخزائن الخاتونية في مدرستها، والضميرية في خانكاه هناك، وكانت سهلة التناول لا يفارق منزلي منها مائتا مجلّد وأكثر بغير رهن، تكون قيمتها مائتي دينار، فكنت أرتع فيها وأقتبس من فوائدها، وأنساني حبها كل بلد، وألهاني عن الأهل والولد، وأكثر فوائد هذا الكتاب وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن، وكثيرا ما كنت أترنّم عند كوني بمرو بقول بعض الأعراب:

أقمريّة الوادي التي خان إلفها ... من الدهر أحداث أتت وخطوب

تعالي أطارحك البكاء فإننا ... كلانا بمرو الشاهجان غريب


(١) مبالغة عجيبة لأن مسيرة يوم على الأقل (١٠٠ كم) بل أكثر على تقدير السويدي المتقدم في تقدير المسافات، ولعل ياقوت رحمه الله تأثر بعصره؛ عصر التصوف والغلو فيه والله أعلم.
(٢) هذه النسبة إلى بيع الفقاع وعمله (اللباب في تهذيب الأنساب ٢/ ٤٣٧).

<<  <   >  >>