الفقيه الشافعي الزاهد، أصله من طرابلس وسكن بيت المقدس ودرّس بها، وكان قد سمع بدمشق حين قدمها في سنة (٧٧١) في نصف صفر، ثم خرج إلى صور وأقام بها نحو عشر سنين ثم قدم دمشق سنة (٤٨٠) فأقام بها يحدث ويدرّس إلى أن مات.
من شيوخه: أبو الحسن السمسار، وأبو الحسن محمد بن عوف، وابن سعدان، وابن شكران، وأبو القاسم وابن الطبري، وسمع بآمد هبة الله بن سليمان، وسليم بن أيوب بصور وعليه تفقّه، وعلى محمد بن البيان الكازروني.
وروى عنه أبو بكر الخطيب وعمر بن عبد الكريم الدهستاني، وأبو القاسم النسيب، وأبو الفتح نصر الله اللاذقي، وأبو محمد بن طاووس، وجماعة، وكان فقيها فاضلا زاهدا عابدا ورعا، أقام بدمشق ولم يقبل لأحد من أهلها صلة، وكان يقتات من غلة تحمل إليه من أرض كانت له بنابلس، وكان يخبز له منها كل يوم قرص في جانب الكانون، وكان متقلّلا متزهدا عجيب الأمر في ذلك.
وكان يقول: درست على الفقيه سليم من سنة (٤٣٧) إلى سنة (٤٤٠) ما فاتني فيها درس ولا إعادة، ولا وجعت إلا يوما واحدا وعوفيت، وسئل كم في ضمن التعليقة التي صنّفها من جزء، فقال: نحو ثلاثمائة جزء، وما كتبت منها حرفا وأنا على غير وضوء، أو كما قال.
وزاره تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان يوما فلم يقم إليه، وسأله عن أحلّ الأموال السلطانية فقال: أموال الجزية، فخرج من عنده وأرسل إليه بمبلغ من المال وقال له: هذا من مال الجزية، قال: لا حاجة لنا إليه، فلما ذهب الرسول لامه الفقيه أبو الفتح نصر الله بن محمد وقال له: قد علمت حاجتنا إليه فلو كنت قبلته وفرّقته فينا، فقال: لا تجزع من فوته فلسوف يأتيك من الدنيا ما يكفيك فيما بعد، فكان كما تفرّس فيه، وذكر بعض أهل العلم قال: صحبت أبا المعالي الجويني بخراسان ثم قدمت العراق فصحبت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي فكانت طريقته عندي أفضل من