"وهو ما روي أبو واقد الليثي: أن رجلا قال: يا رسول الله! إنا نكون بالأرض فتصيبنا بها المخمصة, فمتى تحل لنا الميتة؟ قال: ما لم تصطحبوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا".
ووجه التوفيق بين الحديثين أن يقال: أراد الفجيع بقوله: (نغتبق ونصطبح) أن عامة ما يتعشى به ويتغدى في غالب الأحوال قدح في العشاء وقدح بالغداة, ويشعر به قوله:"ما طعامكم؟ " فإنه يدل عرفا على السؤال عما هو الغالب, والاقتصار على هذا القدر في أغلب الأوقات يفضي إلى مكابدة الجوع, وتحلل البدن, وتعطل الجوارح, ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:"وأبي الجوع"وألحقهم بالمضطرين, ورخص لهم تناول الميتة"
وأراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث أبي واقد: "ما لم يصطحبوا, أو يغتبقوا أو يختفئوا" في زمان المخمصة التي تصيبهم وقتا دون وقت, وحالا دون حال, أو بالاغتباق والاصطباح بتناول ما يشبعهم في هذين الوقتين, فإن ذلك يكفيهم ويحفظ قواهم.
وقوله: "أو يحتفئوا" قيل: إنه من الحفاء, بالحاء المهملة والهمز, وهو أصل البردي الأبيض الرطب, أي: ما لم يقتلعوا هذا بعينه فيأكلوه, ولعل تعيينه لكثرته في أرضهم.
وقيل: صوابه: (ما لم يحتفئوا) بغير همز, من قولهم: احتفاه, إذا أخذه من وجه الأرض بأطراف أصابعه, أي: ما لم يجدوا بقلا يأكلونه.