عن العكوف على مثل هذه الجزئيات, والقيام بحقوقها, والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة, وفازوا بالفوز الأكبر, فلعلهم لم يعاملوا مع الله معاملة هؤلاء فإذا رأوهم يوم القيامة في منازلهم, وشاهدوا قربهم وكرامتهم عند الله تعالى, ودوا أن كانوا ضامين خصالهم إلى خصالهم, فيكونوا جامعين بين الحسنيين, فائزين بالمرتبتين.
هذا والظاهر: أنه لم يقصد في ذلك إلى إثبات الغبطة لهم على حال هؤلاء, بل بيان فضلهم, وعلو شأنهم, وارتفاع مكانهم, وتقريرها على آكد وجه وأبلغه, والمعنىك أن حالهم عند الله يوم القيامة بمثابة لو غبط النبيون والشهداء يومئذ مع جلالة قدرهم ونباهة أمرهم حال غيرهم لغبطوهم.
"بروح الله", أي: بالقرآن, لقوله تعالى {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} [الشورى:٥٢] , سمي بذلك لأنه يحيى به القلب, كما يحيى بالروح البدن, والمعنى: أنهم يتحابون بداعية الإسلام, ومتابعة القرآن فيما حثهم عليه من موالاة المسلمين ومصادقتهم.
ولعل قوله: "تجعل لهم منابر من نور قدام الرحمن" تمثيل لمنزلتهم ومحلهم, مثلها بما هو أعلى ما يجلس عليه في المجالس والمحافل على أعز الأوضاع وأشرافها, من جنس ما هو أبهى وأحسن ما يشاهد, ليدل على أن رتبتهم في الغاية القصوى من العلا والشرف والبهاء, والله أعلم.