و" الملأ الأعلى ": الملائكة , سموا بذلك لعلو مكانهم أو مكانتهم , وقيل: نوع من الملائكة أعظمهم عند الله قدرا وأعلاهم منه منزلة , و (اختصاصهم): إما عبارة عن تبادرهم إلى بت تلك الأعمال والصعود بها إلى السماء , وإما عن تفاوتهم في فضلها وشرفها وإناقتها على غيرها , وإما عن اغتباطهم الناس تلك الفضائل لاختصاصهم بها.
وقوله:" فوضع كفه بين كتفي " مجاز عن تخصيصه إياه بمزيد الفضل عليه , وإيصال فيضه إليه , فإنه لما كان من ديدن الملوك أن أحدهم إذا أراد أن يدني إلى نفسه بعض خدمه , ويذكر معه بعض أحوال مملكته يضع يده على ظهره , ويلقي ساعده على عنقه , تلطفا به , وتعظيما لشأنه , وتنشيطا له في فهم ما يقوله = جعل ذلك حيث لا كف ولا وضع حقيقة , [بل] كناية عن التخصيص لمزيد الفضل والتأييد وتمكين الملهم في الروع.
وقوله:" فوجدت بردها بين ثديي " كناية عن وصول ذلك الفيض إلى قلبه , وتأثره عنه , ورسوخه فيه , وإيقانه له , يقال: ثلج صدره وأصابه برد اليقين , لمن تيقن الشيء وتحققه.
وقوله:" فعلمت ما في السماء والأرض " دليل على أن وصول ذلك الفيض صار سببا لعلمه , ثم استشهد بالآية. والمعنى: أنه تعالى كما أرى إبراهيم – صلوات الله عليه – ملكوت السماوات والأرض , وكشف له ذلك فتح علي أبواب الغيوب حتى علمت ما فيهما من الذوات والصفات والظواهر والمغيبات.