عليهم أن يجتمعوا يوم الجمعة , فيحمدوا خالقهم ويشكروا مانحهم , ويشتغلوا بالذكر والعبادة وما عين لهم , بل أمرهم أن يستخرجوه بأفكارهم ويعينوه باجتهادهم , وأوجب على كل قبيل أن يتبع ما أدى إليه اجتهاده , صوابا كان أو خطأ , كما هو الحال في جميع الصور الاجتهادية.
فقالت اليهود: اليوم يوم السبت , لأنه يوم فراغ وقطع عمل , فإن الله تعالى فرغ فيه عن خلق السماوات والأرضين , فينبغي أن ينقطع الناس فيه عن أعمالهم , ويعرضوا عن صنائعهم وتدبير معاشهم ويتفرغوا للعبادة.
وزعمت النصارى: أن المراد: يوم الأحد , فإنه يوم بدء الخلق الموجب للشكر والعبادة.
فهدى الله هذه الأمة , ووفقهم للإصابة حتى عينوا الجمعة , وقالوا: إن الله تعالى خلق الإنسان للعبادة , كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:٥٦] وكان خلقه يوم الجمعة , فكانت العبادة فيه أولى , ولأنه تعالى في سائر الأيام أوجد ما يعود نفعه إليه , وفي الجمعة أوجد نفسه , والشكر على نعمة الوجود أهم وأحرى.
قوله: " والناس لنا تبع , اليهود غدا , والنصارى بعد غد " لما كان يوم الجمعة مبدأ دور الإنسان وأول أيامه , كان المتعبد فيه باعتبار العبادة متبوعا , والمتعبد في اليومين اللذين بعده تابعا.