بـ" إن رحمتي سبقت غضبي " شبه حكمه الجازم الذي لا يعتريه نسخ ولا يتطرق إليه تغير بحكم الحاكم إذا قضى أمرا وأراد إحكامه, عقد عليه سجلا, وحفظ عنده, ليكون ذلك حجة باقية محفوظة عن التبديل والتحريف.
وقوله:" فوق العرش ": تنبيه على تعظيم الأمر وجلالة القدر, فإن اللوح المحفوظ تحت العرش, والكتاب المشتمل على هذا الحكم فوق العرش, ولعل السبب في ذلك - والعلم عند الله تعالى -: أن ما تحت العرش عالم الأسباب والمسببات, واللوح يشتمل على تفاصيل ذلك, وقضية هذا العالم - وهو عالم العدل, وإليه أشار بقوله:" بالعدل قامت السماوات والأرض " - إثابة المطيع, وعقاب العاصي, حسبما يقتضيه العمل من خير أو شر, وذلك يستدعي غلبة الغضب على الرحمة, لكثرة موجبه ومقتضيه, كما قال تعالى:{ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة}[فاطر: ٤٥] , فتكون سعة الرحمة وشمولها على البرية, وقبول إنابة التائب, والعفو عن المشتغل بذنبه المنهمك فيه, كما قال تعالى:{وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم}[الآية الرعد: ٦] = أمرا خارجا عنه, مترقيا منه إلى عالم الفضل الذي هو فوق العرش.
وفي أمثال هذا الحديث أسرار إفشاؤها بدعة, فكن من الواصلين إلي العين دون السامعين للخير.