للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فإن الجمل الصعب قد يصير ذلولاً بمقارنة الذلل، والذلول قد ينقلب صعباً بمقارنة الصعاب، والريحانة الغضة قد تذبل بمقارنة الذابلة، ولهذا يلتقط أصحاب الفلاحة الرمم عن الزرع، لئلَّا تفسدها ومعلوم أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة إذا قربت منهما، وذلك مما لا ينكره ذو تجربة، فإذا كانت هذه الأشياء قد بلغت في قبول التأثيرهذا المبلغ فما الظن بالنفوس البشرية التي موضوعها على قبول صور الأشياء خيرها وشرها، فقد قيل: إنما سمي الإنس إنساً، لأنه يأنس بما يراه إن خيراً وإن شرّاً.
وللإنسان في المعاشرة، ثلاثة أحوال:
إما أن يكون شكساً، أي: قاسي الطبع، أو ملقًا أي: سلس الطبع، أو مساعداً، أي: تاركاً للخلاف على مقتضى العقل وهو المحمود، وحق الإنسان في المعاشرة أن يتقوى من جهة الفكرة بالمطايبة فىِ الكلام، ومن جهة الغضب بالتحالم، ومن جهة الشهوة بالجود، وأن يتعرى عن أضداد ذلك، وأن يجامل المعاشرين والمعاندين والمشتهين منهم بالإخوان ويصابرهم ويكاشرهم طمعًا في رجوعهم إخواناً واتقاء من شرورهم حتى يكون ظريفاً، فإن الظرف عبارة عن استجماع آلة العشرة من الطلاقة والاحتمال ولين الجانب].
وانظر: «بَهجة المَجَالِس وأُنْس المُجَالِس» لابن عبدالبر (٢/ ٧٠١)، و «الآداب الشرعية» لابن مفلح (٣/ ٥٢٧)، و «محاضرات الأدباء» للراغب الأصبهاني ـ ط. دار صادر ـ (٣/ ٥).

<<  <   >  >>