للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[موطأ مالك بن أنس رحمه الله]

إن أهل العلم ورجال السنة اتفقت كلمتهم على أن «الموطأ» ألفه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، وكتبه بيده، وأنه أول كتاب أُلِّف في الإسلام من الكتب التي ظهرت بين أيدي الناس، وأنه قد رواه عن مالك جمهرة من أهل الحديث والفقه يتجاوزون الألف. قال ابن العربي في بعض كتبه: رواه عن مالك من أصحابه ألف أو يزيدون، وقد أحصاهم عياض في باب خصَّه من كتابه المعروف المسمى: «المدارك» فبلغ إلى ألف وثلاثمائة مرتبين على حروف المعجم، وكان الخطيب البغدادي عُني بإحصاء رواة «الموطأ»، فبلغ تسعمائة وتسعين راويًا.

وإنَّ التوفيق الذي بعث مالكًا رحمه الله على تدوين «الموطأ» للُطفٌ ربانيٌ؛ جعله الله مثالًا لحملة سُنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كيف يحقُّ لهم حملها وإبلاغها إلى الأمة، مما استخلصه من طرائق شيوخه. فقد رسم مالك بهذا الكتاب طريقته التي اتبعها ونوَّه بها في مجالس تحديثه ودروس علمه، وهي طريقة التمحيص، والتصحيح في الرواية، وتمييز من يستحق أن تحمل عنه السنة، وتبيين محامل الآثار المروية، بعد أن مضى زمن خُلط فيها بين الصحيح والسقيم، فإن التعطش إلى حفظ ما يؤثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شبَّ في نفوس علماء الأمة حين أذن عصر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالانتهاء؛ فهرع الناس إلى الذين تلقوا العلم عن الصحابة وهم التابعون. وكان من هؤلاء مُكثر ومقلٌّ، هل ومشدِّد، وطفقوا يقيِّدون، ويحفظون، ويحدِّثون بجميع ذلك خيفة اندراس العلم،

<<  <   >  >>