للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووقع في بعض النسخ، وفي رواية محمد بن الحسن بدون ياء.

[ما جاء في النداء للصلاة]

مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هُريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا نُودي للصلاة، أدبر الشيطان له ضُراطٌ، حتى لا يسمع النداء فإذا قُضي النداء أقبل، حتى إذا ثُوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قُضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى».

إدبار الشيطان انقطاع اتصاله بروح الإنسان ووسوسته؛ لكراهيته الأذان، لما بين ماهية الشيطان وبين مدلول الأذان من المنافرة، فالأذان توحيد لله تعالى وإبطال الشرك، وهو إبطال حظ عظيم من الحظوظ الشيطانية التي بها استهواء البشر، ثم يعقبه إثبات الرسالة التي بها صلاح الناس، وفيه جلب الناس إلى أفضل عمل وهو الصلاة، وذلك كله ينافر قصد الشيطان؛ فكان في الأذان نقض لأساس عمل الشيطان المنبه عليه بقوله تعالى: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} [المائدة: ٩١]. ثم فيه إعلان التوحيد وإعلان الدعوة للصلاة، فيهتدي به من كان ضالاً، ويتذكر من كان غافلاً، فإدباره عند الأذان إدبار حيرة وفزع، حتى إذا انقضى النداء رجع، فإذا ثوب بالصلاة، أي: أقيمت الصلاة، أدبر أيضًا؛ لأن في الإقامة ما في الأذان، ثم يرجع عند الشروع في للصلاة، لكن حيرته تكون أقل؛ لأن الإقامة لا يسمعها إلا الذين حضروا الصلاة، فلا تهدي ضالاً ولا تذكر غافلاً. ومن أجل هذا لم يفزع من القراءة في الصلاة والتكبير.

وقوله: «له ضراط»: تمثيل لحاله بحال الفزع الخائف حين تضطرب أمعاؤه من الخوف، وقد لقبوا عمرًا جد امرئ القيس بمضرط الحجارة، أي: مخيف الجماد فضلاً على الناس، فيكون قوله: «له ضراط»: مركبًا على معنى مشبه به حال الشيطان في فزعه. ويحتمل أن يكون قوله: «له ضراط»: تخييلاً، بأن شبه الشيطان في فراره بحمار، وإثبات الضراط تخييل.

<<  <   >  >>