للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى الرواية المشهورة «إني لأنسى» بلام الابتداء، فما في خبر ذي اليدين يحتمل أنه مما نُسي فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لقصد التعليم والتسنن، ويحتمل أنه نسي؛ لتفكرٍ عرض له في صلاته، أو لغفلة من حافظته عن عدد ما صلاه، والتفكر لا يحمل إلا على أن يكون تفكُّرًا في أمر شرعي من مهمات الدين أو مصالح المسلمين، كما رُوي عن عمر، أنه قال: «إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة»: أي: العزم على توجيه الجيش. ومنه ما في «الصحيح»: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلم من صلاةٍ، ثم انفتل مسرعًا، ثم رجع، فقال لهم: «ذكرت مالاً بقي، لم أقسمه بين الناس، فقسمتُهُ».

[النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها]

مالكٌ عن علقمة بن أبي علقمة، عن أُمِه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: «أهدى أبو جهم بن حُذيفة لرسول الله خميصةً شامية لها علمٌ؛ فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال: «رُدي هذه الخميصة إلى أبي جهم؛ فإني نظرت إلى علمها، فكاد يفتنُني».

قوله: «فإني نظرت إلى عَلَمها»: أي نظر عُروض عن غير قصد التأمل. ومعنى: «فكاد يفتنني»: أنه يحصل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عارض شغل بالنظر يفيت شيئًا من الإقبال على الصلاة بجميع القلب. فتسمية ذلك افتتانًا، إنما هي بحسب ما يناسب مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كمال الخشوع؛ إذ الافتتان شغل يفيت مصلحة عظيمة.

<<  <   >  >>